في نصف النهار معتدلة ، ثم نمسك عن الأكل إلى الليل ، وفي أوله نأكل أقل طعاما مما أكلنا في نصف النهار ، قلت له : ما السر في الصوم والمراد به؟ لأننا في ديننا هو لنرد النفس عن الشهوات ، ونزيل من قوتها بالصوم ، قال لي : ونحن كذلك ، قلت له : بل تزيدون في قوتكم بهذا الصيام ، قال لي : كيف ذلك؟ قلت له : قال بقراط وجالينوس وابن سينا ، وجميع الأطبا متفقون معهم أن لحفظ الصحة ينبغي أن يأكل الإنسان في نصف النهار أكثر مما يأكل في الليل ، وصيامكم على مقتضى هذه القاعدة فلا يزيل الصايم شيئا من قوة الجسد بل يزيد فيه قوة لأن من حفظ الصحة تزداد القوة. وتكلم القاضي مع الجميع بالفرنج لأنه كان يعرف كما قلنا اللسان العجمي الأندلسي ، وهم يدبرون بينهم ماذا يقولون لي؟ ثم قال : اعلم أننا في أيام الصيام ما نأكل لحما ، وفي غيره نأكل لحم الدجاج ، ولا يخفى أن لها قوة ، لا سيما الخصيء منها له قوة ، قلت له : نعم ، لحم الدجاج له قوة وغذاء نافع والقليل منه يكفي الإنسان ، وإذا لم يكن اللحم ، ووجد أطعمة كثيرة مثل هذا الذي رأيته بين أيدينا هنا فيأكل الإنسان من كل نوع حتى يصل إلى قوة اللحم في الغذا ، ولكن في أكثر مقدار من الطعام ، وكان ذلك في أيام صيامهم. فأخذوا في الكلام فيما بينهم لعلهم يجدون ما يقولون ، وما اتفق لهم شيء لتقوية حجتهم ، وانتقل إلى مسألة أخرى ، وقال : ما السبب حتى منعكم نبيكم الخمر؟ قلت : منعه الله تعالى لأن أفضل ما تكرم به على بني آدم هو العقل ، والذي يزيله هو الخمر وهو أقبح المسائل كلها ، قال : حتى عندنا هو ممنوع أن يشرب الإنسان منه حتى يسكر ، قلت : ظهر لي أنه ممنوع لكم في الإنجيل ولا انتبهتم له ، قالوا : في أي موضع؟ قلت : في الدعاء الذي أمركم به سيدنا عيسى عليهالسلام أن تدعو به ، وأوله : أبونا الذي في السماء إلى أن تقولوا : ولا تدعنا نقع عند فتنة النفس ، وآخرون يترجمون : «ولا تدخلنا التخريب» ، وهم الأكثر ، والأول عندي هو الصحيح ، قالوا : عندنا هذا ، قلت : هل يجوز أن تأخذ الفتنة بيدك ، وتطلب أن لا يدع تقع عندها؟ لأنك إذا زدت من الخمر قليلا عن العادة يذهب بالعقل ، وإذا ذهب وقعت في الفتن ، مع طلبك الله أن لا يدعك تقع ، قال : نحن نتحفظ في شربنا حتى لا يذهب العقل ، قلت لهم : عندي أن من هو مثلكم قضاة ، وعلماء ، ومن أكابر الناس ، إن الإنصاف للحق موجود عندكم ، والبعد عن