ألا ترى أن الناس / حملوا قوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (١) فيمن جرّ على (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (٢) وعلم «قيله» ، وليس بعده من المعطوف عليه وتراخيه عنه بأقل من هذا ، وهذا كثير.
والجهة الأخرى ، وهى أن الضمير لهاروت وماروت. والتقدير : (ولكنّ الشّياطين هاروت وماروت كفروا يعلّمون النّاس السّحر فيتعلمّون منهما). فلا يعود إلى الملكين ، إنما يعود إلى هاروت وماروت ، وجاز (يُعَلِّمُونَ) حملا على المعنى.
ويجوز عطف (يَتَعَلَّمُونَ) على (ما يُعَلِّمانِ) ، فيكون التقدير : وما يعلّمان من أحد فيتعلّمون منهما ، فيكون الضمير الذي فى (يَتَعَلَّمُونَ) على هذا التأويل «لأحد».
إلا أنه جمع لمّا حمل على المعنى ، كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(٣). وارتفاعه لا يمنع عطفك إياه على هذا الفعل الذي ذكرناه ، لأن هذا الفعل ، وإن كان منفيا فى اللفظ ، فهو موجب فى المعنى. ألا ترى أن معناه : يعلّمان كلّ أحد إذا قالا له : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
ويجوز أن يكون معطوفا على مضمر دل عليه الكلام ، وهو : يأبون فيتعلمون. إلا أن قوله (فَلا تَكْفُرْ) نهى عن الكفر ، فدل (فَيَتَعَلَّمُونَ) على إبائهم.
__________________
(١) الزخرف : ٨٨.
(٢) الزخرف : ٨٥.
(٣) الحاقة : ٤٧.