فأما ما اعترض به أبو إسحاق على المعطوف على (يُعَلِّمُونَ) من أنه خطأ ، لأن قوله (مِنْهُما) دليل هاهنا على التعلم من الملكين خاصة ، فهو ساقط غير لازم من جهتين : إحداهما ، أن التعلم إن كان من الملكين خاصة لا يمنع أن يكون قوله (فَيَتَعَلَّمُونَ) عطفا على (كَفَرُوا) وعلى (يَتَعَلَّمُونَ) ، وإن كان متعلقا ب (مِنْهُما) فكأن الضمير فى (مِنْهُما) راجع إلى الملكين.
فإن قلت : كيف يجوز هذا؟ وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير (ولكن الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر فيتعلّمون منهما). فتضمر الملكين قبل ذكرهما؟.
قيل له : أما المضمر فعلى ما ذكرته صحيح.
فأما الإضمار قبل الذكر فساقط هنا ، ليس يلزم على تقديره فى قول سيبويه إضمار قبل الذّكر. ألا ترى أن (مِنْهُما) إذا كان ضميرا عائدا إلى الملكين ، فإن إضمارهما بعد تقدم ذكرهما ، وذلك شائع. ونظيره قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (١) فإن قال: إن المعطوف على قول سيبويه بعيد من المعطوف عليه ، وعلى قول غيره قريب ، ومهما احتملت الآية من غير تأويل كان أولى.
قيل له : إن بعد المعطوف عن المعطوف عليه وتراخيه عنه لا يمنع من عطفه عليه وإتباعه إياه.
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.