فالجار يتعلّق بمحذوف خبر ابتداء مضمر ، وهو هو ، أي : هو ثابت فى كتاب مبين ، و (إِلَّا) بمعنى «لكن».
ولا يجوز أن يكون (إِلَّا فِي كِتابٍ) استثناء متصلا بقوله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ)(١) لأنه يؤدى إلى أن يكون : يعزب / عن ربك مثقال ذرة إذا كان فى كتاب مبين ، فثبت أن الجار خبر ابتداء مضمر.
وكذلك فى سورة سبأ (٢). فكذلك قوله تعالى : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ) (٣) أي : لكن هو فى كتاب.
ومن هذا الباب قوله تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤). فمن رفع (مَتاعَ) كان خبر مبتدأ مضمر محذوف ، أي : ذلك متاع الحياة الدنيا.
قال أبو على فى قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) يحتمل تأويلين :
أحدهما :
أن يكون متعلقا بالمصدر ، لأن فعله يتعدى بهذا الحرف. يدلك على ذلك قوله تعالى: (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) (٥) و (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) (٦) / فإذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
والمعنى : بغى بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا ، وليس مما يقرّب إلى الله تعالى من الطاعات (٧).
__________________
(١) يونس : ٦١.
(٢) سبأ : ٣ والآية (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
(٣) الأنعام : ٥٩.
(٤) يونس : ٢٣.
(٥) ص : ٢٢.
(٦) الحج : ٦٠.
(٧) هذا هو التأويل الثاني.