ومن ذلك قوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (١) التقدير : أي : هو عالم الغيب والشهادة.
فيجوز أن يرتفع «عالم» بفعل دل عليه «ينفخ» أي : ينفخ فيه عالم الغيب ، كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (٢) فهو من باب قوله :
ليبك يزيد ضارع لخصومة (٣)
ألا ترى أنه حمل «ضارع» على إضمار فعل دل عليه «ليبك». فزعم أن هذا الكلام يدل على أن له باكيا ، فصار كأنه قال : ليبك ضارع به.
ومثله قراءة بعضهم : (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (٤) على أن يكون «زيّن» مرتّبا للمفعول ، وارتفع «قتل» به مضافا إلى «أولادهم» ويكون «شركاؤهم» محمولا على فعل آخر ، لأن التقدير كأنه قال : زيّنه شركاؤهم. وهذه القراءة مرويّة عن السّلمى ، والحسن ، ويحيى بن الحارث الذّمارى ، عن أهل الشام.
وقال سيبويه : فى هذا القول.
أبو علي : وأظننى مربى من كلام غلامه أنه حمل رفع «شركائهم على المصدر ، أي : أن قتل أولادهم شركاؤهم.
ويحكى ذلك أيضا عن قطرب.
وهذا وإن كان محمولا على العامل الأقرب ، فإنما الإخبار فى الآية عن تزيين الشركاء قتل أولاد المشركين. وقراءة السّلمى إنما يكون «الشركاء» قاتلين أولادهم بتشبيبهم وتربيتهم. والكلام فى هذا طويل. والله أعلم.
__________________
(١) الأنعام : ٧٣.
(٢) النور : ٣٦.
(٣) عجزه :
هو مختبط مما تطيح الطوائح والبيت للحارس بن نهيك.
(الكتاب ١ : ١٤٥).
(٤) الأنعام : ١٣٧.