قال : ويجوز فيها وجه آخر : وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل ، فى قوله :
(وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (١)
والموصوفون فيها خلاف من وصف فى قوله :
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (٢) وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها ، كما ادعوا فى قوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) (٣) وقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٤) وكفرهم بالكتاب إنكار له فى قوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٥) وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم ، نحو قوله : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) (٦) وقوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٧)
وكفرهم بالآخرة ، قوله : (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي) (٨) وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه ، فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته. فقال تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٩) أي : بهذه الأشياء التي كفروا بها ، هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم ، وخصهم بالإيقان بالآخرة فى قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (١٠) وإن كان الإيمان قد شملها ، لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها ، فى نحو ما حكى عنهم فى قوله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) (١١).
__________________
(١) البقرة : ٢٨٥.
(٢) النساء : ١٣٦.
(٣) الزخرف : ١٦.
(٤) الزخرف : ١٩.
(٥) الأنعام : ٩١.
(٦) المؤمنون : ٣٤.
(٧) الفرقان : ٤١.
(٨) سبأ : ٣.
(٩) البقرة : ٣.
(١٠) البقرة : ٤.
(١١) الجاثية : ٢٤.