الماضي ، وكأن المعنى : كم من قرية قاربت الهلاك فجاءها البأس ليلا أو نهارا فأهلكناها ، خبر على هذا. وقوله (فَجاءَها) معطوف. فإن جعلت (أَهْلَكْناها) صفة للقرية ولم تجعله خبرا ، ف «كم» فى المعنى هى القرية. فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت «ك» إذ كان «كم» فى المعنى هو القرية. ويدلك على ذلك قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (١) فعاد الذكر على «كم» على المعنى ، إذ كانت الملائكة فى المعنى. وعلى هذا قال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٢) فيعاد مرّة الذكر على لفظ القرية ، ومرة على معناها ، فيكون دخول الفاء فى قوله : (فَجاءَها بَأْسُنا) (٣) على حد : كل رجل جاءنى فله درهم ؛ فيكون المعنى : كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس ، فكان سبب الإهلاك / مجىء البأس ، لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك ، فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس ، فصار نزول البأس استحقاق ذلك. فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز فى موضع (كَمْ) النصب (٤) لأن من قال : زيدا ضربته ، لا يقول : أزيدا أنت رجل تضربه ؛ إذا جعلت تضربه صفة للرجل. وكذلك (أَهْلَكْناها) إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبرا. ويكون قوله (فَجاءَها) فى موضع الخبر ، كما أن قوله فله درهم ، من قولك : كل رجل يأتينى فله درهم ، فى موضع الخبر.
ويجوز أيضا أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة ، على تقدير : جاءها البأس قبل الإهلاك ؛ لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك ، فصار (فَجاءَها بَأْسُنا) كالتبيين للإهلاك لهم ، والتعريف لوقته.
__________________
(١) النجم : ٢٦.
(٢) الأعراف : ٤.
(٣) في الأصل «لأن إن». وفيها زيادة من الناسخ.