ويشايعه إلى ما لا يرتضيه ، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية والكلمات النبوية ، وذاعت في عبارات البلغاء ، وإشارات الحكماء.
إن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبيّ ، وقمع سورة الجامح الابيّ ، كيف لا ، وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية ، وإبرازها لها في معرض المحسوسات الجلية ، وإبداء للمنكر في صورة المعروف ، وإظهار للوحشي في هيئة المألوف. (١)
ولعلّ في هذه الكلمات غنى وكفاية فلا نطيل الكلام ، غير انّه يجب التنبيه على نكتة ، وهي ان السيوطي نقل في «المزهر» عن أبي عبيد انّه قال :
الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية. (٢)
ولا يخفى انّ الأمثال ليست من خصائص العرب فحسب ، بل لكلّ قوم أمثال وحكم يقرِّبون بها مقاصدهم إلى إفهام المخاطبين ويبلغون بها حاجاتهم ، وربما يشترك مَثَلٌ واحد بين أقوام مختلفة ويصبح من الأمثال العالمية ، وربما تبلغ روعة المثل بمكان يقف الشاعر أمامه مبهوراً فيصب مضمونه في قالب شعري.
روى الطبري عن مهلب بن أبي صفرة ، قال : دعا المهلَّب حبيباً ومن حضره من ولده ، ودعا بسهام فحزمت ، وقال : أترونكم كاسريها مجتمعة؟ قالوا : لا ، قال : أفترونكم كاسريها متفرقة؟ قالوا : نعم ، قال : فهكذا الجماعة. (٣)
وليس المهلب أوّل من ساق هذا المثل على لسانه ، فقد سبقه غيره إليه.
__________________
(١) هامش تفسير الفخر الرازي : ١ / ١٥٦ ، المطبعة الخيرية ، ط الأُولى ، مصر ـ ١٣٠٨ ه.
(٢) المزهر : ١ / ٢٨٨.
(٣) تاريخ الطبري : حوادث سنة ٨٢ ه.