المكي لا سيما وانّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يجادل المشركين ويسفِّه أحلامهم ويدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك عبادة غيره ، والإيمان باليوم الآخر. ففي خِضمِّ هذا الصراع يأتي القرآن بأروع مثل ويشبّه آلهتهم المزعومة التي تمسّكوا بأهدابها ببيت العنكبوت الذي لا يظهر أدنى مقاومة أمام النسيم الهادئ ، وقطرات المطر ، وهبوب الرياح.
يقول سبحانه : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيتاً وإِنَّ أَوهَنَ الْبُيُوتِ لَبيتُ العَنْكَبُوتِ لو كانُوا يَعْلَمون). (١)
فقد شبه آلهتهم التي اتخذوها حصوناً منيعة لأنفسهم بخيوط العنكبوت ، وبذلك صغّرهم وذلّلهم.
كما أنّه سبحانه في آية أُخرى شبّه آلهتهم بالذباب ، وقال : (يا أَيُّهَا النّاس ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا له إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعوا لَهُ وان يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب). (٢)
فقد كانت قريش تعبد ٣٦٠ إلهاً يطلونهم بالزعفران فيجف ، فيأتي الذباب فيختلسه فلا يقدرون عن الدفاع عن أنفسهم ، ففي هذا الصدد ، قال سبحانه : (ضعف الطالب والمطلوب) أي الذباب والمدعوّ.
فأي مثل أقرع من تشبيه آلهتهم بهذه الحشرة الحقيرة. ولقد مضى على الناس منذ ضرب لهم كتاب الإسلام هذا المثل أربعة عشر قرناً ، وما يزال المثل القرآني يتحدَّى كل جبروت الغزاة وعبقرية العلماء ، وما يزال على الذين غرّهم الغرور بما حقّق إنسان العصر الحديث من معجزات العلم ، أن ينسخوا ذلك ، بأن يجتمعوا
__________________
(١) العنكبوت : ٤١.
(٢) الحج : ٧٣.