فيخلقوا ذباباً ، أو يستنقذوا شيئاً سلبتهم إيّاه هذه الحشرة الضئيلة التي تقتلها ذرة من هواء مشبع بمُبيد الحشرات ، وتستطيع مع ذلك أن تسلب مخترع المبيد حياته ، بلمسة هيّنة خاطفة تحمل إليه جرثومة داء مميت. (١)
هذا في مجال الرد على عبادتهم للأوثان والأصنام ، أمّا في مجال ركونهم إلى الدنيا والإعراض عن الآخرة ، يستعرض مثلاً يشير فيه إلى أنّ الدنيا ظل زائل وليست خالدة ، قال سبحانه : (إِنَّما مَثَلُ الحَياة الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرض مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَليها أَتاها أَمْرُنا لَيلاً أو نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَتَفكَّرُون) (٢)
هذا بعض ما يمكن أن يقال حول الأمثال التي نزلت في مكة.
وأمّا الأمثال التي نزلت في المدينة ، فقد نجد فيها الطابع المدني لأجل انّها بصدد علاج الأدواء التي ابتلي بها المجتمع يومذاك وهي الأدواء الخلقية مكان الشرك والوثنية ، أو مكان إنكار الحياة الأُخروية ، فلذلك ركّز الوحي على معالجة هذا النوع من الأدواء بالتمثيلات التي سنشير إليها.
فقد كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مهجره مبتلياً بالمنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام بغية الإطاحة بالحكومة الإسلامية الفتيّة ، وفي هذا الصدد نرى أنّ الأمثال المدنية تطرقت في آيات كثيرة إلى المنافقين وبيّنت خطورة موقفهم على الإسلام والمسلمين ، فتارة يضرب الله سبحانه لهم مثلاً بالنار وأُخرى بالمطر ، يقول سبحانه : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ
__________________
(١) الصورة الفنية في المثل القرآني : ٩٩ ، نقلاً عن كتاب «القرآن وقضايا الإنسان» لبنت الشاطئ.
(٢) يونس : ٢٤.