كيف السبيل إلى إيجادها ، ولتحيّرت عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة ، عارفة بأنّها مقهورة ، مقرة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضعف عن إفنائها». (١)
يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير :
«إنّما ضرب الله المثل بالبعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين ، فأراد الله سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته». (٢)
إلى هنا تم تفسير مفردات الآية ، وأمّا تفسير الآية برمتها فقد نقل المفسرون في سبب نزولها وجهين :
الأوّل : انّ الله تعالى لما ضرب المثلين قبل هذه الآية للمنافقين ، أعني قوله : (مثلهم كمَثل الذي استوقد ناراً) وقوله : (أو كصيّب من السماء) قالالمنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الثاني : انّه سبحانه لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت تكلّم فيه قوم من المشركين وعابوا ذكره ، فأنزل الله هذه الآية. (٣)
ولا يخفى ضعف الوجه الأوّل ، فانّ المنافقين لم ينكروا ضرب المثل ، وإنّما أنكروا المثلين اللّذين مثّل بهما سبحانه حال المنافقين ، وعند ذلك لا يكون التمثيل بالبعوضة جواباً لرد استنكارهم ، لأنّهم أنكروا المثلين اللّذين وردا في حقهما ، فلا
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦.
(٢) مجمع البيان : ١ / ٦٧.
(٣) مجمع البيان : ١ / ٦٧.