وبتعبير آخر : انّه سبحانه تبارك وتعالى حلف بعالم الغيب والشهادة ـ أي بمجموع الخليقة والنظام السائد على الوجود الإمكاني ـ على وجود هدف مشترك لهذا النظام ، وهو صيرورة الإنسان في هذا الكوكب إنساناً كاملاً مظهراً لأسمائه وصفاته ، ولا يتم تحقيق ذلك الهدف إلّامن خلال بعث الرسل وإنزال الكتب ، والقرآن كتاب سماوي أُنزل إلى الإنسان.
ثمّ إنّه سبحانه دعم حلفه بالبرهان على المقسم عليه ، فانّ المقسم عليه عبارة عن كون القرآن كلام رسول كريم أخذه من أمين الوحي ، وهو من الله سبحانه وليس من مبدعاته ومتقوّلاته وإلّالعمّه العذاب فوراً ، قال سبحانه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بعْضَ الْاقاوِيلِ* لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْه الوَتيِنَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِين). (١)
فإذا حالف الرسول النجاح في الدعوة إلى رسالته والتفت حوله طوائف كثيرة فهو أوضح دليل على أنّه غير كاذب في دعوته وصادق في عزوها إلى الله وإلّا لما أمهله الله سبحانه هذا المقدار من الزمان.
وثمة سؤال يثار ، وهو انّ هذه الآيات توعد المتنبئ الكاذب على الله سبحانه بالهلاك ، فلو كان هذا مفاد الآية لزم تصديق كلّ من ادّعى النبوّة ولم يشمله العذاب والهلاك ، إذ لو كان كاذباً لأخذه سبحانه باليمين ، وقطع منه الوتين ، فإذا لم يفعل ، فهذا دليل على صدق كلامه وفعاله مع أنّه أمر لا يمكن الالتزام به؟
والجواب : انّ القرآن الكريم ليس بصدد بيان أنّ كلّ من تقوَّل على الله سوف يعمّه العذاب والهلاك ، وإنّما هو بصدد بيان بعض الفئات المتقوّلة التي تدعي صلتها بالله سبحانه خلال معجزة قاهرة خلابة للعقول ، فهذا النوع من التقوّل
__________________
(١) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.