عن هذه الدار المقدور على أهلها الزّوال ، ولا يغلبنّكم فيها الأمل ، ولا يطولنّ عليكم فيها الأمد». (١)
يقول العلّامة الطباطبائي : فليس يقصد نعمة من نعم الدنيا إلّاخالصة في طيبها ، محضة في هنائها ، ولا ينال شيئاً منها إلّامشوبة بما ينغص العيش مقرونة بمقاساة ومكابدة ، مضافاً إلى ما يصيبه من نوائب الدهر ويفاجئه من طوارق الحدثان. (٢)
وربّما ينظر الإنسان إلى من هو فوقه لا سيما الذين يتمتعون بالغنى والرفاه ، فيخطر على باله أنّ حياة هؤلاء غيرمشوبة بالكد والتعب ، ولكنّ هذا التصوّر غير صائب إذ أنّ تعبهم وكدَّهم أكثر بمراتب من الذين هم دونهم.
وأمّا الصلة بين المقسم به (والد وما ولد) والمقسم عليه (لقد خلقنا الإنسان في كبد) ، واضحة ، إذ لم تزل حياة إبراهيم وولده مقرونة بالتعب والوصب ، إذ ولد وقد أمضى صباه في الغاب خوفاً من بطش الجهاز الحاكم ، وبعد ما خرج منها وله من العمر ١٣ سنة أخذ يكافح الوثنيين وعبّاد الأجرام السماوية ، إلى ان حكم عليه بالرمي في النار والإحراق ، فنجّاه الله سبحانه ، فلم يجد بداً من مغادرة الوطن والهجرة إلى فلسطين ولم يزل بها حتى أُمر بإيداع زوجه وابنه في بيداء قاحلة لا ماء فيها ولا زرع ، يحكي سبحانه تلك الحالة عن لسان إبراهيم عليهالسلام ويقول : (رَبَّنا إِنّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتي بِوادٍغَيْر ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). (٣)
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة : ٥٢.
(٢) الميزان : ٢٠ / ٢٩١.
(٣) إبراهيم : ٣٧.