وَالأَرض وما طَحاها) إذ ينقلب معنى الآيتين أقسم بربّ السماء وربّ ما بناها أي ربّ بانيها ، وهكذا الحلف بربّ الأرض وما طحاها ، أي ربّ طاحيها.
إلى هنا تمّ الحلف بهذه الموجودات السماوية والأرضية والحية وغير الحية.
أخبر سبحانه بأنّه بعد ما خلق النفس وسوّاها واكتملت خلقتها ظاهراً وباطناً ، علّمها سبحانه التقوى والفجور ، وفهم من صحيح الذات ما هو الحسن والقبيح ، وقد تعلّم ذلك في منهج الفطرة ، وقد استعمل كلمة «ألهم» لأنّه بمعنى إلقاء الشيء في روع الإنسان من دون أن يعلم الملهم من أين أتى ، والإنسان يعلم من صميم ذاته الحسن والسيّء من دون أن يتعلّم عند أحد.
وقد أشار سبحانه إلى هذا النوع من الهداية الباطنية في آيات أُخرى ، وقال : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَين). (١)
ولما حلف بالموجودات السماوية والأرضية غير الحيّة والحيّة ، وانّه قد ألهم النفس الإنسانية طرق الصلاح والفلاح ، أو طرق الشر والضلال ، أتى بجواب القسم ، وهو قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَقَدْخابَ مَنْ دَسّاها) ، فجعل «زكاها» مقابل «دساها» فيعلم معنى الثاني من الأوّل ، فقال : (وَقَدْخابَ مَنْ دَسّاها).
والتزكية هو التطهير من الآثام ، مقابل التدسيس ، وهي إخفاء الرذائل والذنوب.
انّ قوله : (دسّاها) مشتق من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء من الشيء ، والتدسيس مصدر دسّس ، وهو من دسس يدسس تدسيساً ، ومعنى الآية
__________________
(١) البلد : ١٠.