الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى : كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن ، (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون. ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس.
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ)(٢٥)
(وَقالَ قَرِينُهُ) قال الملك الموكل عليه. (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي ، أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي ، و (ما) إن جعلت موصوفة ف (عَتِيدٌ) صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف.
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ) خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد ، أو لملكين من خزنة النار ، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله :
فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا |
أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ، ويؤيده أنه قرئ «ألقين» بالنون الخفيفة. (عَنِيدٍ) معاند للحق.
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. وقيل المراد بالخير الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه. (مُعْتَدٍ) متعد. (مُرِيبٍ) شاك في الله وفي دينه.
(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(٢٧)
(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره. (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أو بدل من (كُلَّ كَفَّارٍ) فيكون (فَأَلْقِياهُ) تكريرا للتوكيد ، أو مفعول لمضمر يفسره (فَأَلْقِياهُ).
(قالَ قَرِينُهُ) أي الشيطان المقيض له ، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه. (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) كأن الكافر قال هو أطغاني ف (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول ، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه : (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي).
(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٢٩)
(قالَ) أي الله تعالى. (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه ، وهو استئناف مثل الأول. (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة. وهو حال فيه تعليل للنهي أي (لا تَخْتَصِمُوا) عالمين بأني أوعدتكم ، والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم ، ويجوز أن يكون (بِالْوَعِيدِ) حالا والفعل واقعا على قوله :
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي. وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد. (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فأعذب من