كان أقرب إليه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه و (حَبْلِ الْوَرِيدِ) مثل في القرب قال : والموت أدنى من الوريد. وال (حَبْلِ) العرق وإضافته للبيان ، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه ، وقيل سمي وريدا لأن الروح ترده.
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(١٨)
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) مقدر باذكر أو متعلق ب (أَقْرَبُ) ، أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به ، وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما ، لكنه لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية ، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد. (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي (عَنِ الْيَمِينِ) قعيد (وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) ، أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله : فإني وقيار بها لغريب. وقد يطلق الفعيل للواحد والمتعدد كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).
(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) ما يرمي به من فيه. (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) ملك يرقب عمله. (عَتِيدٌ) معد حاضر ، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث «كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر».
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)(٢٠)
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ، ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي ، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك : جاء زيد بعمرو. والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق ، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء ، فإن الإنسان خلق له أو مثل الباء في (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ). وقرئ «سكرة الحق بالموت» على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به ، أو على أن الباء بمعنى مع. وقيل سكرة الحق سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل. وقرئ «سكرات الموت». (ذلِكَ) أي الموت. (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) تميل وتنفر عنه والخطاب للإنسان.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) يعني نفخة البعث. (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإشارة إلى مصدر (نُفِخَ).
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٢٢)
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله ، أو ملك جامع للوصفين. وقيل
السائق كاتب السيئات ، والشهيد كاتب الحسنات. وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله ، ومحل (مَعَها) النصب على الحال من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة.
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) على إضمار القول والخطاب (لِكُلِّ نَفْسٍ) إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكفار. (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) الغطاء الحاجب لأمور المعاد ، وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والإلف بها وقصور النظر عليها. (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) نافذ لزوال المانع للإبصار. وقيل