(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(٥٥)
(كَذلِكَ) أي الأمر مثل ذلك ، والإشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحرا أو مجنونا وقوله : (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) كالتفسير له ، ولا يجوز نصبه ب (أَتَى) أو ما يفسره لأن ما بعد (ما) النافية لا يعمل فيما قبلها.
(أَتَواصَوْا بِهِ) أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضا بهذا القول حتى قالوه جميعا. (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) فأعرض عن مجادلتهم بعد ما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإصرار والعناد. (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) على الإعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.
(وَذَكِّرْ) ولا تدع التذكير والموعظة. (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة.
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)(٥٨)
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها ، جعل خلقهم مغيا بها مبالغة في ذلك ، ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عبادا لي.
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به ، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم ، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم ، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً).
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق ، وفيه إيماء باستغنائه عنه ، وقرئ «إني أنا الرزاق» (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) شديد القوة ، وقرئ «المتين» بالجر صفة ل (الْقُوَّةِ).
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٦٠)
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً) أي للذين ظلموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتكذيب نصيبا من العذاب. (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة ، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء ، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء. (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) جواب لقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) من يوم القيامة أو يوم بدر. عن النبيصلىاللهعليهوسلم «من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا».