أوحي إليه بنفي البعد الملبس.
(فَأَوْحى) جبريل عليهالسلام. (إِلى عَبْدِهِ) عبد الله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما كقوله : (عَلى ظَهْرِها)(ما أَوْحى) جبريل عليهالسلام وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه ، وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني بشديد القوى كما في قوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بشراشره إلى جناب القدس.
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى)(١٢)
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ما رأى ببصره من صورة جبريل عليهالسلام أو الله تعالى ، أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلا كاذبا. ويدل عليه «أنه عليه الصلاة والسلام سئل هل رأيت ربك؟ فقال رأيته بفؤادي». وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه.
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه. وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب «أفتمرونه» أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ، أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى)(١٦)
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) مرة أخرى فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو والكلام في المرئي والدنو ما سبق. وقيل تقديره ولقد رآه نازلا نزلة أخرى ، ونصبها على المصدر والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة.
(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم ، أو ما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها ، ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها. وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة.
(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) الجنة التي يأوي إليها المتقون أو أرواح الشهداء.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصبها عد ، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.
(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(١٨)
(ما زاغَ الْبَصَرُ) ما مال بصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما رآه. (وَما طَغى) وما تجاوزه بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا ، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها.
(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي والله لقد رأى الكبرى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما (رَأى). ويجوز أن تكون (الْكُبْرى) صفة لل (آياتِ) على أن المفعول محذوف أي شيئا من آيات ربه أو (مِنْ) مزيدة.