(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(١٢)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يريد الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر أو الصداقة والموالاة. (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من دياركم. (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) في قتالكم أو خذلانكم. (أَحَداً أَبَداً) أي من رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين. (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) لنعاوننكم. (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) لعلمه بأنهم لا يفعلون ذلك كما قال :
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) وكان كذلك فإن ابن أبي وأصحابه راسلوا بني النضير بذلك ثم أخلفوهم ، وفيه دليل على صحة النبوة وإعجاز القرآن. (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على الفرض والتقدير. (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) انهزاما. (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) بعد بل يخذلهم الله ولا ينفعهم نصرة المنافقين ، أو نفاقهم إذ ضمير الفعلين يحتمل أن يكون لليهود وأن يكون للمنافقين.
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(١٤)
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أي أشد مرهوبية مصدر للفعل المبني للمفعول. (فِي صُدُورِهِمْ) فإنهم كانوا يضمرون مخافتهم من المؤمنين. (مِنَ اللهِ) على ما يظهرونه نفاقا فإن استبطان رهبتكم سبب لإظهار رهبة الله. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته ويعلموا أنه الحقيق بأن يخشى.
(لا يُقاتِلُونَكُمْ) اليهود والمنافقون. (جَمِيعاً) مجتمعين متفقين. (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالدروب والخنادق. (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) لفرط رهبتهم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «جدار» وأمال أبو عمرو فتحة الدال. (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي وليس ذلك لضعفهم وجبنهم فإنه يشتد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا ، بل لقذف الله الرعب في قلوبهم ولأن الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله. (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) مجتمعين متفقين. (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) متفرقة لافتراق عقائدهم واختلاف مقاصدهم. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ما فيه صلاحهم وإن تشتت القلوب يوهن قواهم.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ)(١٧)
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل اليهود كمثل أهل بدر ، أو بني قينقاع إن صح أنهم أخرجوا قبل النضير ، أو المهلكين من الأمم الماضية. (قَرِيباً) في زمان قريب وانتصابه بمثل إذ التقدير كوجود مثل. (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) سوء عاقبة كفرهم في الدنيا. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشيطان. (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور. (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) تبرأ عنه