(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ(٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٨)
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) تهودوا. (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) إذ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه. (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم.
(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب ما قدموا من الكفر والمعاصي. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فيجازيهم على أعمالهم.
(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) وتخافون أن تتمنوه بلسانكم مخافة أن يصيبكم فتؤخذوا بأعمالكم.
(فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) لاحق بكم لا تفوتونه ، والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف ، وكأن فرارهم يسرع لحوقه بهم. وقد قرئ بغير فاء ويجوز أن يكون الموصول خبرا والفاء عاطفة. (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بأن يجازيكم عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١٠)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) أي إذا أذن لها. (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) بيان ل (إِذا) وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة ، وكانت العرب تسميه العروبة. وقيل سماه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه إليه ، وأول جمعة جمعها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لما قدم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة ، ثم دخل المدينة وصلّى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف. (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فامضوا إليه مسرعين قصدا فإن السعي دون العدو ، وال (ذِكْرِ) الخطبة ، وقيل الصلاة والأمر بالسعي إليها يدل على وجوبها. (وَذَرُوا الْبَيْعَ) واتركوا المعاملة. (ذلِكُمْ) أي السعي إلى ذكر الله. (خَيْرٌ لَكُمْ) من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير والشر الحقيقيين ، أو إن كنتم من أهل العلم.
(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أديت وفرغ منها. (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) إطلاق لما حظر عليهم ، واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة. وفي الحديث «ابتغوا من فضل الله ليس بطلب الدنيا وإنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيادة أخ في الله». (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) واذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصوا ذكره بالصلاة. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بخير الدارين.
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(١١)
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب للجمعة فمرت عليه عير تحمل الطعام ، فخرج الناس إليهم إلا اثني عشر رجلا فنزلت. وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة ، فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير ، والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته ، أو للدلالة على أن الانفضاض إلى التجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما