(فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين ، فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه ، ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه. (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) متظاهرون ، وتخصيص جبريل لتعظيمه ، والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به.
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً)(٥)
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) على التغليب ، أو تعميم الخطاب ، وليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة وأن في النساء خيرا منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه ، وقرأ نافع وأبو عمرو (يُبْدِلَهُ) بالتخفيف. (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات. (قانِتاتٍ) مصليات أو مواظبات على الطاعات. (تائِباتٍ) عن الذنوب. (عابِداتٍ) متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام. (سائِحاتٍ) صائمات سمي الصائم سائحا لأنه يسبح بالنهار بلا زاد ، أو مهاجرات. (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) وسط العاطف بينهما لتنافيهما ولأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٧)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك المعاصي وفعل الطاعات. (وَأَهْلِيكُمْ) بالنصح والتأديب ، وقرئ و «أهلوكم» عطف على واو (قُوا) ، فيكون (أَنْفُسَكُمْ) أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين. (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب. (عَلَيْها مَلائِكَةٌ) تلي أمرها وهم الزبانية. (غِلاظٌ شِدادٌ) غلاظ الأقوال شداد الأفعال ، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة. (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) فيما مضى. (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) فيما يستقبل ، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار ، والنهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) بالغة في النصح وهو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة ، وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة ، وهي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب. وقرأ أبو بكر بضم النون وهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور ، أو النصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا ، أو توبوا نصوحا لأنفسكم. وسئل علي رضي الله تعالى عنه عن التوبة فقال :