(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(١٥)
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة. (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) توخوا رشدا عظيما يبلغهم إلى دار الثواب.
(وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) توقد بهم كما توقد بكفار الإنس.
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً)(١٧)
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإنس أو كلاهما. (عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي على الطريقة المثلى. (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) لوسعنا عليهم الرزق ، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنختبرهم كيف يشكرونه ، وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) عن عبادته أو موعظته أو وحيه. (يَسْلُكْهُ) يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون. (عَذاباً صَعَداً) شاقا يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به.
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً)(١٩)
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) مختصة به. (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) فلا تعبدوا فيها غيره ، ومن جعل (أَنَ) مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة الفاء ، وقيل المراد ب (الْمَساجِدَ) الأرض كلها لأنها جعلت للنبي عليه الصلاة والسلام مسجدا. وقيل المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله ، وآرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد.
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) أي النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه ، والإشعار بما هو المقتضى لقيامه. (يَدْعُوهُ) يعبده (كادُوا) كاد الجن. (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته ، أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين لإبطال أمره ، وهو جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد ، وعن ابن عامر «لبدا» بضم اللام جمع لبدة وهي لغة. وقرئ «لبدا» كسجدا جمع لا بد و (لِبَداً) كصبر جمع لبود.
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً)(٢١)
قال (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي ، وقرأ عاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام ليوافق ما بعده.
(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) ولا نفعا أو غيا ، عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارا بالمعنيين.
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ