(إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع بر كأرباب أو بار كأشهاد. (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) من خمر وهي في الأصل القدح تكون فيه. (كانَ مِزاجُها) ما يمزج بها. (كافُوراً) لبرده وعذوبته وطيب عرفه وقيل اسم ماء في الجنة يشبه الكافور في رائحته وبياضه. وقيل يخلق فيها كيفيات الكافور فتكون كالممزوجة به.
(عَيْناً) بدل من (كافُوراً) إن جعل اسم ماء أو من محل (مِنْ كَأْسٍ) على تقدير مضاف ، أي ماء عين أو خمرها أو نصب على الاختصاص أو بفعل يفسره ما بعدها. (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أي ملتذا بها أو ممزوجا بها ، وقيل الباء مزيدة أو بمعنى من لأن الشرب مبتدأ منها كما هو. (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) يجرونها حيث شاؤوا إجراء سهلا.
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)(٨)
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) استئناف ببيان ما رزقوه لأجله كأنه سئل عنه فأجيب بذلك ، وهو أبلغ في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لله تعالى كان أوفى بما أوجبه الله تعالى عليه. (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ) شدائده. (مُسْتَطِيراً) فاشيا منتشرا غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر ، وهو أبلغ من طار ، وفيه إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي.
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) حب الله تعالى أو الطعام أو الإطعام. (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) يعني أسراء الكفار فإنه صلىاللهعليهوسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول «أحسن إليه» ، أو الأسير المؤمن ويدخل فيه المملوك والمسجون ، وفي الحديث «غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك».
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً)(١٠)
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) على إرادة القول بلسان الحال أو المقال إزاحة لتوهم المن وتوقع المكافأة المنقصة للأجر. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا ، فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله. (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) أي شكرا.
(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) فلذلك نحسن إليكم أو لا نطلب المكافأة منكم. (يَوْماً) عذاب يوم. (عَبُوساً) تعبس فيه الوجوه أو يشبه الأسد العبوس في ضراوته. (قَمْطَرِيراً) شديد العبوس كالذي يجمع ما بين عينيه من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قريطها أو مشتق من القطر والميم مزيدة.
(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)(١٢)
(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) بسبب خوفهم وتحفظهم عنه. (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) بدل عبوس الفجار وحزنهم.
(وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرمات وإيثار الأموال. (جَنَّةً) بستانا يأكلون منه. (وَحَرِيراً) يلبسونه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ناس فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما وفضة جارية لهما صوم ثلاث إن برئا ، فشفيا وما معهم شيء ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فآثروه ، ثم وقف عليهم في الثالثة أسير ففعلوا مثل ذلك ، فنزل جبريل عليهالسلام بهذه السورة