(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(١٢٢)
____________________________________
النافية بين المعطوفين لتأكيد النفى لما مر من أن تصلب اليهود فى أمثال هذه العظائم أشد من النصارى والإشعار بأن رضى كل منهما مباين لرضى الأخرى أى لن ترضى عنك اليهود ولو خليتهم وشأنهم حتى تتبع ملتهم ولا النصارى ولو تركتهم ودينهم حتى تتبع ملتهم فأوجز النظم ثقة بظهور المراد وفيه من المبالغة فى إقناطه صلىاللهعليهوسلم من إسلامهم ما لا غاية وراءه فإنهم حيث لم يرضوا عنه عليهالسلام ولو خلاهم يفعلون ما يفعلون بل أملوا منه صلىاللهعليهوسلم ما لا يكاد يدخل تحت الإمكان من اتباعه عليهالسلام لملتهم فكيف يتوهم اتباعهم لملته عليهالسلام وهذه حالتهم فى أنفسهم ومقالتهم فيما بينهم وأما إنهم أظهروها للنبى صلىاللهعليهوسلم وشافهوه بذلك وقالوا لن نرضى عنك وإن بالغت فى طلب رضانا حتى تتبع ملتنا كما قيل فلا يساعده النظم الكريم بل فيه ما يدل على خلافه فإن قوله عزوجل (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) صريح فى أن ما وقع هذا جوابا عنه ليس عين تلك العبارة بل ما يستلزم مضمونها أو يلزمه من الدعوة إلى اليهودية والنصرانية وادعاء أن الاهتداء فيهما كقوله عزوجل حكاية عنهم (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) أى قل ردا عليهم إن هدى الله الذى هو الإسلام هو الهدى بالحق والذى يحق ويصح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما تدعون إليه ليس بهدى بل هو هوى كما يعرب عنه قوله تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أى آراءهم الزائغة الصادرة عنهم بقضية شهوات أنفسهم وهى التى عبر عنها فيما قبل بملتهم إذ هى التى ينتمون إليها وأما ما شرعه الله تعالى لهم من الشريعة على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المعنى الحقيقى للملة فقد غيروها تغييرا (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أى الوحى أو الدين المعلوم صحته (ما لَكَ مِنَ اللهِ) من جهته العزيزة (مِنْ وَلِيٍّ) يلى أمرك عموما (وَلا نَصِيرٍ) يدفع عنك عقابه وحيث لم يستلزم نفى الولى نفى النصير وسط لا بين المعطوفين لتأكيد النفى وهذا من باب التهييج والإلهاب وإلا فأنى يتوهم إمكان اتباعه عليهالسلام لملتهم وهو جواب للقسم الذى وطأه اللام واكتفى به عن جواب الشرط (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) بمراعاة لفظه عن التحريف وبالتدبر فى معانيه والعمل بما فيه وهو حال مقدرة والخبر ما بعده أو خبر وما بعده مقرر له (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصوفين بإيتاء الكتاب وتلاوته كما هو حقه وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم فى الفضل (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أى بكتابهم دون المحرفين فإنهم بمعزل من الإيمان به فإنه لا يجامع الكفر ببعض منه (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) بالتحريف والكفر بما يصدقه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) حيث اشتروا الكفر بالإيمان (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) ومن جملتها التوراة وذكر النعمة إنما