(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(٢٥٥)
____________________________________
عدم مشيئته تعالى لعدم اقتتالهم فاقتتلوا بموجب اقتضاء أحوالهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) عدم اقتتالهم بعد هذه المرتبة أيضا من الاختلاف والشقاق المستتبعين للاقتتال بحسب العادة (مَا اقْتَتَلُوا) وما نبض منهم عرق التطاول والتعادى لما أن الكل تحت ملكوته تعالى فالتكرير ليس للتأكيد كما ظن بل للتنبيه على أن اختلافهم ذلك ليس موجب لعدم مشيئته تعالى لعدم اقتتالهم كما يفهم ذلك من وضعه فى الاستدراك موضعه بل هو سبحانه مخارفى ذلك حتى لو شاء بعد ذلك عدم اقتتالهم ما اقتتلوا كما يفصح عنه الاستدراك بقوله عزوجل (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) أى من الأمور الوجودية والعدمية التى من جملتها عدم مشيئته عدم اقتتالهم فإن الترك أيضا من جملة الأفعال أى يفعل ما يريد حسبما يريد من غير أن يوجبه عليه موجب أو يمنعه منه مانع وفيه دليل بين على أن الحوادث تابعة لمشيئته سبحانه خيرا كان أو شرا إيمانا كان أو كفرا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا) فى سبيل الله (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) أى شيئا مما رزقناكموه على أن ما موصولة حذف عائدها والتعرض لوصوله منه تعالى للحث على الإنفاق كما فى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) والمراد به الإنفاق الواجب بدلالة ما بعده من الوعيد (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) كلمة من متعلقة مما تعلقت به أختها ولا ضير فيه لاختلاف معنييهما فإن الأولى تبعيضية وهذه لابتداء الغاية أى أنفقوا بعض ما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا تقدرون على تلافى ما فرطتم فيه إذ لا تبايع فيه حتى تتبايعوا ما تنفقونه أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى يسامحكم به أخلاؤكم أو يعينوكم عليه ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضى له قولا حتى تتوسلوا بشفعاء يشفعون لكم فى حط ما فى ذمتكم وإنما رفعت الثلاثة مع قصد التعميم لأنها فى التقدير جواب هل فيه بيع أو خلة أو شفاعة وقرىء بفتح الكل (وَالْكافِرُونَ) أى والتاركون للزكاة وإيثاره عليه للتغليظ والتهديد كما فى قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ) مكان ومن لم يحج وللإيذان بأن ترك الزكاة من صفات الكفار قال تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (هُمُ الظَّالِمُونَ) أى الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المال فى غير موضعه وصرفوه إلى غير وجهه (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر أى هو المستحق للمعبودية لا غير وفى إضمار خبر لا مثل فى الوجود أو يصح أن يوجد خلاف للنحاة معروف (الْحَيُّ) الباقى الذى لا سبيل عليه للموت والفناء وهو إما خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من لا إله إلا هو أو بدل من الله أو صفة له ويعضده القراءة بالنصب على المدح لاختصاصه بالنعت (الْقَيُّومُ) فعول من قام بالأمر إذا حفظه أى دائم القيام بتدبير الخلق وحفظه وقيل