(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٠٦)
____________________________________
قوله تعالى (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) للتبيين كما فى قوله عز وعلا (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) ولا مزيدة لما ستعرفه (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ) فى حيز النصب على أنه مفعول يود وبناء الفعل للمفعول للثقة بتعين الفاعل والتصريح الآتى فى قوله تعالى (مِنْ خَيْرٍ) هو القائم مقام فاعله ومن مزيدة للاستغراق والنفى وإن لم يباشره ظاهرا لكنه منسحب عليه معنى والخير الوحى وحمله على ما يعمه وغيره من العلم والنصرة كما قيل يأباه وصفه فيما سيأتى بالاختصاص وتقديم الظرف عليه مع أن حقه التأخر عنه لإظهار كمال العناية به لأنه المدار لعدم ودهم ومن فى قوله تعالى (مِنْ رَبِّكُمْ) ابتدائية والتعرض لعنوان الربوبية للإشعار بعليته لتنزيل الخير والإضافة إلى ضمير المخاطبين لتشريفهم وليست كراهتهم لتنزيله على المخاطبين من حيث تعبدهم بما فيه وتعريضهم بذلك لسعادة الدارين كيف لا وهم من تلك الحيثية من جملة من نزل عليهم الخير بل من حيث وقوع ذلك التنزيل على النبى صلىاللهعليهوسلم وصيغة الجمع للإيذان بأن مدار كراهتهم ليس معنى خاصا بالنبى صلىاللهعليهوسلم بل وصف مشترك بين الكل وهو الخلو عن الدراسة عند اليهود وعن الرياسة عند المشركين والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم ويكرهون فيحسدونكم أن ينزل عليكم شىء من الوحى أما اليهود فبناء على أنهم أهل الكتاب وأبناء الأنبياء الناشئون فى مهابط الوحى وأنتم أميون وأما المشركون فإدلالا بما كان لهم من الجاه والمال زعما منهم أن رياسة الرسالة كسائر الرياسات الدنيوية منوطة بالأسباب الظاهرة ولذلك قالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ولما كانت اليهود بهذا الداء أشهر لا سيما فى أثناء ذكر ابتلائهم به لم يلزم من نفى ودادتهم لما ذكر نفى ودادة المشركين له فزيدت كلمة لا لتأكيد النفى (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) جملة ابتدائية سيقت لتقرير ما سبق من تنزيل الخير والتنبيه على حكمته وإرغام الكارهين له والمراد برحمته الوحى كما فى قوله سبحانه أهم يقسمون رحمة ربك عبر عنه باعتبار نزوله على المؤمنين بالخير وباعتبار إضافته إليه تعالى بالرحمة قال على رضى الله عنه بنبوته خص بها محمدا صلىاللهعليهوسلم فالفعل متعد وصيغة الافتعال للإنباء عن الاصطفاء وإيثاره على التنزيل المناسب للسياق الموافق لقوله تعالى (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ) لزيادة تشريفه صلىاللهعليهوسلم وإقناطهم مما علقوا به أطماعهم الفارغة والباء داخلة على المقصود أى يؤتى رحمته (مَنْ يَشاءُ) من عباده ويجعلها مقصورة عليه لاستحقاقه الذاتى الفائض عليه بحسب إرادته عز وعلا تفضلا لا تتعداه إلى غيره وقيل الفعل لازم ومن فاعله والضمير العائد إلى من محذوف على التقديرين وقوله تعالى (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) تذييل لما سبق مقرر لمضمونه وفيه إيذان بأن إيتاء النبوة من فضله العظيم كقوله تعالى (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) وأن حرمان من حرم ذلك ليس لضيق ساحة فضله بل لمشيئته الجارية على سنن الحكمة البالغة وتصدير الجملتين بالاسم الجليل للإيذان بفخامة مضمونيهما وكون كل منهما مستقلة بشأنها فإن الإضمار فى الثانية منبئ عن توقفها على الأولى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) كلام مستأنف مسوق لبيان سر النسخ الذى هو فرد من أفراد تنزيل الوحى وإبطال مقالة الطاعنين فيه أثر تحقيق