(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (١٢)
____________________________________
وتمكن فيه الصبر والجراءة لا تكاد تزل القدم فى معارك الحروب وقوله تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) منصوب بمضمر مستأنف خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم بطريق التجريد حسبما تنطق به الكاف لما أن المأمور به مما لا يستطيعه غيره صلىاللهعليهوسلم فإن الوحى المذكور قبل ظهوره بالوحى المتلو على لسانه صلىاللهعليهوسلم ليس من النعم التى يقف عليها عامة الأمة كسائر النعم السابقة التى أمروا بذكر وقتها بطريق الشكر وقيل منصوب بقوله تعالى (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فلا بد حينئذ من عود الضمير المجرور فى به إلى الربط على القلوب ليكون المعنى ويثبت أقدامكم بتقوية قلوبكم وقت إيحائه إلى الملائكة وأمره بتثبيتهم إياكم وهو وقت القتال ولا يخفى أن تقييد التثبيت المذكور بوقت مبهم عندهم ليس فيه مزيد فائدة وأما انتصابه على أنه بدل ثالث من إذ يعدكم كما قيل فيأباه تخصيص الخطاب به صلىاللهعليهوسلم مع ما عرفت من أن المأمور به ليس من الوظائف العامة للكل كسائر أخواته وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من التنويه والتشريف* ما لا يخفى والمعنى اذكر وقت إيحائه تعالى إلى الملائكة (أَنِّي مَعَكُمْ) أى بالإمداد والتوفيق فى أمر التثبيت فهو مفعول يوحى وقرىء بالكسر على إرادة القول أو إجراء الوحى مجراه وما يشعر به دخول كلمة مع من متبوعية الملائكة إنما هى من حيث إنهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الأصالة من تلك الحيثية* كما فى أمثال قوله تعالى (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) والفاء فى قوله تعالى (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إمداده تعالى إياهم من أقوى موجبات التثبيت واختلفوا فى كيفية التثبيت فقالت جماعة إنما أمروا بتثبيتهم بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم ويتأكد جدهم فى القتال وهو الأنسب بمعنى التثبيت وحقيقته التى هى عبارة عن الحمل على الثبات فى موطن الحراب والجد فى مقاساة شدائد القتال وقد روى أنه كان الملك يتشبه بالرجل الذى يعرفونه بوجهه فيأتى ويقول إنى سمعت المشركين يقولون والله لئن حملوا علينا لننكشفن ويمشى بين الصفين فيقول* أبشروا فإن الله تعالى ناصركم وقال آخرون أمروا بمحاربة أعدائهم وجعلوا قوله تعالى (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) تفسيرا لقوله تعالى (أَنِّي مَعَكُمْ) وقوله تعالى (فَاضْرِبُوا) الخ تفسيرا لقوله تعالى (فَثَبِّتُوا) مبينا لكيفية التثبيت وقد روى عن أبى داود المازنى رضى الله عنه وكان ممن شهد بدرا أنه قال اتبعت رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه فوقعت رأسه بين يدى قبل أن يصل إليه سيفى وعن سهل بن حنيف رضى الله عنه أنه قال لقدر أيتنا يوم بدر وإن أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فتقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف وأنت خبير بأن قتلهم للكفرة مع عدم ملاءمته لمعنى تثبيت المؤمنين مما لا يتوقف على الإمداد بإلقاء الرعب فلا يتجه ترتيب الأمر به عليه بالفاء وقد اعتذر الأولون بأن قوله تعالى (سَأُلْقِي) الخ ليس بنص فيما ذكر بل يجوز أن يكون ذلك إثر قوله تعالى (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به