(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١١)
____________________________________
من جهة الأسباب والعدد وإنما هى مظاهر له بطريق جريان السنة الإلهية (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يغالب فى* حكمه ولا ينازع فى أقضيته (حَكِيمٌ) يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تعليل لما* قبلها متضمن للإشعار بأن النصر الواقع على الوجه المذكور من مقتضيات الحكم البالغة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) أى يجعله غاشيا لكم ومحيطا بكم وهو بدل ثان من إذ يعدكم لإظهار نعمة أخرى وصيغة الاستقبال فيه وفيما عطف عليه لحكاية الحال الماضية كما فى تستغيثون أو منصوب بإضمار اذكروا وقيل هو متعلق بالنصر أو بما فى من عند الله من معنى الفعل أو بالجعل وليس بواضح وقرىء يغشيكم من الإغشاء بمعنى التغشية والفاعل فى الوجهين هو البارى تعالى وقرىء يغشاكم على إسناد الفعل إلى النعاس وقوله تعالى (أَمَنَةً مِنْهُ) على القراءتين الأوليين منصوب على العلية بفعل مترتب على الفعل المذكور أى يغشيكم* النعاس فتنعسون أمنا كائنا من الله تعالى لا كلالا وإعياء أو على أنه مصدر لفعل آخر كذلك أى فتأمنون أمنا كما فى قوله تعالى (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) على أحد الوجهين وقيل منصوب بنفس الفعل المذكور والأمنة بمعنى الإيمان وعلى القراءة الأخيرة منصوب على العلية بيغشاكم باعتبار المعنى فإنه فى حكم تنعسون أو على أنه مصدر لفعل مترتب عليه كما مر وقرىء أمنة كرحمة (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) تقديم الجار* والمجرور على المفعول به لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا اخر تبقى النفس مترقبة له فعند وروده يتمكن عندها فضل تمكن وتقديم عليكم لما أن بيان كون التنزيل عليهم أهم من بيان كونه من السماء وقرىء بالتخفيف من الإنزال (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) أى من الحدث الأصغر* والأكبر (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) الكلام فى تقديم الجار والمجرور كما مر آنفا والمراد برجز* الشيطان وسوسته وتخويفه إياهم من العطش. روى أنهم نزلوا فى كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فتمثل لهم الشيطان فوسوس إليهم وقال أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة وقد عطشتم ولو كنتم على الحق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش فإذا قطع أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا فأنزل الله عزوجل المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادى فاغتسلوا وتوضئوا وسقوا الركاب وتلبد الرمل الذى كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس وقويت القلوب وذلك قوله تعالى (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أى يقويها بالثقة بلطف الله تعالى فيما بعد بمشاهدة طلائعه (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فلا تسوخ فى الرمل فالضمير للماء كالأول ويجوز أن يكون للربط فإن القلب إذا قوى