(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (١٤)
____________________________________
كأنه قيل قولوا لهم سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا الخ فالضاربون هم المؤمنون وأما ما قيل من أن ذلك خطاب منه تعالى للمؤمنين بالذات على طريق التلوين فمبناه توهم وروده قبل القتال وأنى ذلك والسورة الكريمة إنما نزلت بعد تمام الوقعة وقوله تعالى (فَوْقَ الْأَعْناقِ) أى أعاليها التى هى المذابح* أو الهامات (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) قيل البنان أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وقيل هى* الأصابع من اليدين والرجلين وقال أبو الهيثم البنان المفاصل وكل مفصل بنانة وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك يعنى الأطراف أى اضربوهم فى جميع الأعضاء من أعاليها إلى أسافلها وقيل المراد بالبنان الأدانى وبفوق الأعناق الأعالى والمعنى فاضربوا الصناديد والسفلة وتكرير الأمر بالضرب لمزيد التشديد والاعتناء بأمره ومنهم متعلق به أو بمحذوف وقع حالا مما بعده (ذلِكَ) إشارة إلى ما أصابهم من العقاب وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته فى الشدة والفظاعة والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب ومحله الرفع على الابتداء وخبره قوله تعالى (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) * أى ذلك العقاب الفظيع واقع عليهم بسبب مشاقتهم ومغالبتهم من لا سبيل إلى مغالبته أصلا واشتقاق المشاقة من الشق لما أن كلا من المشاقين فى شق خلاف شق الآخر كما أن اشتقاق المعاداة والمخاصمة من العدوة والخصم أى الجانب لأن كلا من المتعاديين والمتخاصمين فى عدوة وخصم غير عدوة الآخر وخصمه (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الإظهار فى موضع الإضمار لتربية المهابة وإظهار كمال شناعة ما اجترءوا عليه* والإشعار بعلة الحكم وقوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) إما نفس الجزاء قد حذف منه العائد إلى من* عند من يلتزمه أى شديد العقاب له أو تعليل للجزاء المحذوف أى يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب وأيا ما كان فالشرطية تكملة لما قبلها وتقرير لمضمونه وتحقيق للسببية بالطريق البرهانى كأنه قيل ذلك العقاب الشديد بسبب مشاقتهم لله تعالى ورسوله وكل من يشاقق الله ورسوله كائنا من كان فله بسبب ذلك عقاب شديد فإذن لهم بسبب مشاقتهم لهما عقاب شديد وأما أنه وعيد لهم بما أعد لهم فى الآخرة بعد ما حاق بهم فى الدنيا كما قيل فيرده ما بعده من قوله تعالى (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) فإنه مع كونه هو المسوق للوعيد بما ذكر ناطق بكون المراد بالعقاب المذكور ما أصابهم عاجلا سواء جعل ذلكم إشارة إلى نفس العقاب أو إلى ما تفيده الشرطية من ثبوت العقاب لهم أما على الأول فلان الأظهر أن محله النصب بمضمر يستدعيه قوله تعالى (فَذُوقُوهُ) والواو فى قوله تعالى (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) الخ بمعنى مع فالمعنى باشروا ذلكم العقاب الذى أصابكم فذوقوه عاجلا مع أن لكم عذاب النار آجلا فوضع الظاهر موضع الضمير لتوبيخهم بالكفر وتعليل الحكم به وأما على الثانى فلان الأقرب أن محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) الخ معطوف عليه والمعنى حكم الله ذلكم أى ثبوت هذا