(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦)
____________________________________
العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وقوله تعالى (فَذُوقُوهُ) اعتراض وسط بين المعطوفين للتهديد والضمير على الأول لنفس المشار إليه وعلى الثانى لما فى ضمنه وقد ذكر فى إعراب الآية الكريمة وجوه أخر مدار الكل على أن المراد بالعقاب ما أصابهم عاجلا والله تعالى أعلم وقرىء بكسر أن على الاستئناف (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب للمؤمنين بحكم كلى جار فيما سيقع من الوقائع والحروب جىء* به فى تضاعيف القصة إظهارا للاعتناء بشأنه ومبالغة فى حضهم على المحافظة عليه (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) الزحف الدبيب يقال زحف الصبى زحفا إذا دب على أسته قليلا قليلا سمى به الجيش الداهم المتوجه إلى العدو لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف وذلك لأن الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس إليه فى غاية البطء وإن كانت فى نفس الأمر على غاية السرعة قال قائلهم[وأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لجاج والركاب تهملج]* ونصبه إما على أنه حال من مفعول لقيتم أى زاحفين نحوكم وإما على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال منه أى يزحفون زحفا وأما كونه حالا من فاعله* أو منه ومن مفعوله معا كما قيل فيأباه قوله تعالى (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) إذ لا معنى لتقييد النهى عن الأدبار بتوجههم السابق إلى العدو أو بكثرتهم بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعى إلى الأدبار عادة والمحوج إلى النهى عنه وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين حيث تولوا مدبرين وهم زحف من الزحوف اثنا عشر ألفا بعيد والمعنى إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قتلكم فضلا عن أن تدانوهم فى العدد أو تساووهم (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) أى يوم اللقاء (دُبُرَهُ) فضلا عن الفرار وقرىء بسكون الباء (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) إما بالتوجه إلى قتال طائفة أخرى أهم من هؤلاء وإما بالفر للكر بأن يخيل عدوه أنه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده أو مع من فى الكمين من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها* (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أى منحازا إلى جماعة أخرى من المؤمنين لينضم إليهم ثم يقاتل معهم العدو. عن ابن عمر رضى الله عنهما قال إن سرية فروا وأنا معهم فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا ودخلوا البيوت فقلت يا رسول الله نحن الفرارون فقال صلىاللهعليهوسلم بل أنتم العكارون أى الكرارون من عكر أى رجع وأنا فئتكم. وانهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين هلكت ففررت من الزحف فقال رضى الله عنه أنا فئتك ووزن متحيز متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يحوز وانتصابهما إما على الحالية وإلا لغو لا عمل لها وإما على الاستثناء من المولين أى ومن يولهم* دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا (فَقَدْ باءَ) أى رجع (بِغَضَبٍ) عظيم لا يقادر قدره ومن فى قوله