(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٠٦)
____________________________________
تنبيه على أن مدار النجاة هو الإيمان (قُلْ) لجمهور المشركين (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أوثر الخطاب باسم الجنس مصدرا بحرف التنبيه تعميما للتبليغ وإظهارا لكمال العناية بشأن ما بلغ إليهم (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) * الذى أتعبد الله عزوجل به وأدعوكم إليه ولم تعلموا ما هو وما صفته (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) فى* وقت من الأوقات (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ثم يفعل بكم ما يفعل من فنون العذاب أى فاعلموا* أنه تخصيص العبادة به ورفض عبادة ما سواه من الأصنام وغيرها مما تعبدونه جهلا وتقديم ترك عبادة الغير على عبادته تعالى لتقدم التخلية على التحلية كما فى كلمة التوحيد وللإيذان بالمخالفة من أول الأمر أو إن كنتم فى شك من صحة دينى وسداده فاعلموا أن خلاصته إخلاص العبادة لمن بيده الإيجاد والإعدام دون ما هو بمعزل منهما من الأصنام فاعرضوها على عقولكم وأجيلوا فيها أفكاركم وانظروا فيها بعين الإنصاف لتعلموا أنه حق لا ريب فيه وفى تخصيص التوفى بالذكر متعلقا بهم ما لا يخفى من التهديد والتعبير عما هم فيه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأن أقصى ما يمكن عروضه للعاقل فى هذا الباب هو الشك فى صحته وأما القطع بعدمها فمما لا سبيل إليه أو إن كنتم فى شك من ثباتى على الدين فاعلموا أنى لا أتركه أبدا (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بما دل عليه العقل ونطق به الوحى وهو تصريح بأن ما هو* عليه من دين التوحيد ليس بطريق العقل الصرف بل بالإمداد السماوى والتوفيق الإلهى وحذف حرف الجر من أن يجوز أن يكون من باب الحذف المطرد مع أن وأن. وأن يكون خاصا بفعل الأمر كما فى قوله [أمرتك الخير فافعل ما أمرت به] (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) عطف على أن أكون خلا أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا ضير فى ذلك لأن مناط جواز وصلها بصيغ الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والطلبية ووجوب كون الصلة خبرية فى الموصول الاسمى إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهى لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحرفى كذلك أى وأمرت بالاستقامة فى الدين والاستبداد فيه بأداء المأمور به والانتهاء عن المنهى عنه أو باستقبال القبلة فى الصلاة وعدم الالتفات إلى اليمين والشمال (حَنِيفاً) حال من الدين أو الوجه أى مائلا عن الأديان الباطلة (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف على* أقم داخل تحت الأمر أى لا تكونن منهم اعتقادا ولا عملا وقوله عز وعلا (وَلا تَدْعُ) عطف على قوله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) غير داخل تحت الأمر وقيل على ما قبله من النهى والوجه هو الأول لأن ما بعده من الجمل إلى آخر الآيتين متسقة لا يمكن فصل بعضها عن بعض كما ترى ولا وجه لادراج الكل تحت