(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦)
____________________________________
(لَكَ) أى لأجلك ولإهلاكك (كَيْداً) متينا راسخا لا تقدر على التفصى عنه أو خفيا عن فهمك لا تتصدى* لمدافعته وهذا أوفق بمقام التحذير وإن كان يعقوب عليهالسلام يعلم أنهم ليسوا بقادرين على تحويل مادلت الرؤيا على وقوعه وهذا الأسلوب آكد من أن يقال فيكيدوك كيدا إذ ليس فيه دلالة على كون نفس الفعل مقصود الإيقاع وقد قيل إنما جىء باللام لتضمينه معنى الاحتيال المتعدى باللام ليفيد معنى المضمن والمضمن فيه للتأكيد أى فيحتالوا لك ولإهلاكك حيلة وكيدا والمراد بإخوته ههنا الذين يخشى غوائلهم ومكايدهم بنو علاته الأحد عشروهم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوى وربالون ويشجرو دينة بنو يعقوب من ليا بنت خالته ودان ونفتالى وجاد وآشر بنوه من سريتين زلفة وبلهة وهؤلاءهم المشار إليهم بالكواكب الأحد عشر وأما بنيامين الذى هو شقيق يوسف عليهالسلام وأمهما راحيل التى تزوجها يعقوب عليهالسلام بعد وفاة أختها ليا أو فى حياتها إذ لم يكن جمع الأختين إذ ذاك محرما فليس بداخل تحت هذا النهى إذ لا يتوهم مضرته ولا يخشى معرته ولم يكن معدودا معهم فى الرؤيا إذ لم يكن معهم فى السجود ليوسف والمراد نهيه عن اقتصاص الرؤيا عليهم كلا أو بعضا (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة* فلا يألو جهدا فى إغواء إخوتك وإضلالهم وحملهم على مالا خير فيه وهو استئناف كأن يوسف عليهالسلام قال كيف يصدر ذلك عن إخوتى الناشئين فى بيت النبوة فقيل إن الشيطان يحملهم على ذلك ولما نبهه عليهماالسلام على أن لرؤياه شأنا عظيما يستتبع منافع وحذره إشاعتها المؤدية إلى أن يحول إخوته بينها وبين ظهور آثارها وحصولها أو يوعروا سبيل وصولها شرع فى تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالى فقال (وَكَذلِكَ) أى ومثل ذلك الاجتباء البديع الذى شاهدت آثاره فى عالم المثال من سجود تلك الأجرام العلوية النيرة لك وبحسبه وعلى وفقه (يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) يختارك لجناب كبريائه ويستنبؤك افتعال من جباه* إذا جمعه ويصطفيك على أشراف الخلائق وسراة الناس قاطبة ويبرز مصداق تلك الرؤيا فى عالم الشهادة حسب ما عاينته من غير قصور والمراد بالتشبيه بيان المضاهاة المتحققة بين الصور المرئية فى عالم المثال وبين ما وقعت هى صورا وأشبا حاله من الكائنات الظاهرة بحسبها فى عالم الشهادة أى كما سخرت لك تلك الأجرام العظام يسخر لك وجوه الناس ونواصيهم مذعنين لطاعتك خاضعين لك على وجه الاستكانة ومراده بيان إطاعة أبويه وإخوته له لكنه إنما لم يصرح به حذرا من إذاعته (وَيُعَلِّمُكَ) كلام مبتدأ غير* داخل تحت التشبيه أراد به عليهالسلام تأكيد مقالته وتحقيقها وتوطين نفس يوسف عليهالسلام بما أخبر به على طريقة التعبير والتأويل كأنه قال وهو يعلمك (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أى ذلك الجنس من العلوم* أو طرفا صالحا منه فتطلع على حقية ما أقول ولا يخفى ما فيه من تأكيد ما سبق والبعث على تلقى ما سيأتى بالقبول والمراد بتأويل الأحاديث تعبير الرؤيا إذ هى أحاديث الملك إن كانت صادقة أو أحاديث