(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١٧)
____________________________________
حالك هذا وحالك يومئذ لعلو شأنك وكبرياء سلطانك وبعد حالك عن أوهامهم وقيل لبعد العهد المبدل للهيئات المغير للأشكال والأول أدخل فى التسلية روى أنهم حين دخلوا عليه ممتازين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه ليخبرنى هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وكان يدنيه دونكم وأنكم انطلقتم به وألقيتموه فى غيابة الجب وقلتم لأبيكم أكله الذئب وبعتموه بثمن بخس ويجوز أن يتعلق وهم لا يشعرون بالإيحاء على معنى أنا آنسناه بالوحى وأزلنا عن قلبه الوحشة التى أورثوه وهم لا يشعرون بذلك ويحسبون أنه مرهق ومستوحش لا أنيس له وقرىء لننبئنهم بالنون على أنه وعيد لهم فقوله تعالى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) متعلق ب (أَوْحَيْنا) لا غير (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً) آخر النهار وقرىء عشيا وهو تصغير عشى وعشى بالضم والقصر جمع أعشى أى عشوا من البكاء (يَبْكُونَ) متباكين روى أنه لما سمع يعقوب عليهالسلام بكاءهم فزع وقال مالكم يا بنى وأين يوسف (قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) أى متسابقين فى العدو والرمى وقد يشترك الافتعال والتفاعل كالانتضال والتناضل ونظائرهما (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا) أى ما نتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) عقيب ذلك* من غير مضى زمان يعتاد فيه التفقد والتعهد وحيث لا يكاد يطرح المتاع عادة إلا فى مقام يؤمن فيه الغوائل لم يعهد تركه عليهالسلام عنده من باب الغفلة وترك الحفظ الملتزم لا سيما إذا لم يبرحوه ولم يغيبوا عنه فكأنهم قالوا إنا لم نقصر فى محافظته ولم نغفل عن مراقبته بل تركناه فى مأمننا ومجمعنا بمرأى منا لأن ميدان السباق لا يكون عادة إلا بحيث يتراءى غايتاه وما فارقناه إلا ساعة يسيرة بيننا وبينه مساقة قصيرة فكان ما كان (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) بمصدق لنا فى هذه المقالة الدالة على عدم تقصير نافى أمره (وَلَوْ كُنَّا) عندك* وفى اعتقادك (صادِقِينَ) موصوفين بالصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيىء الظن بنا* غير واثق بقولنا وكلمة لو فى أمثال هذه المواقع لبيان تحقق ما يفيده الكلام السابق من الحكم الموجب أو المنفى على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع غيره من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشىء متى تحقق مع المنافى القوى فلأن يتحقق مع غيره أولى ولذلك لا يذكر معه شىء من سائر الأحوال ويكتفى عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها الشاملة لجميع الأحوال المغايرة لها عند تعددها وقد مر تفصيله فى سورة البقرة عند قوله تعالى (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) وفى سورة الأعراف عند قوله تعالى (أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ).