(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٢٠)
____________________________________
ما جرى على يوسف فى الجب بعد الفراغ من ذكر ما وقع بين إخوته وبين أبيه والتعبير بالمجىء ليس بالنسبة إلى مكانهم فإن كنعان ليس بالجانب المصرى من مدين بل إلى مكان يوسف وفى إيثاره على المرور أو الإتيان أو نحوهما إيماء إلى كونه عليهالسلام فى الكرامة والزلفى عند مليك مقتدر والظاهر أن الجب كان فى الأمم المئتاء فإن المتبادر من إسناد المجىء إلى السيارة مطلقا فى قوله عزوجل (وَجاءَتْ (سَيَّارَةٌ) أى* رفقة تسير من جهة مدين إلى مصر وقوعه باعتبار سيرهم المعتاد وهو الذى يقتضيه قوله تعالى فيما سلف يلتقطه بعض السيارة وقد قيل إنه كان فى قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة فأخطئوا الطريق فنزلوا قريبا منه وقيل كان ماؤه ملحا فعذب حين ألقى فيه عليهالسلام (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) الذى يرد الماء* ويستقى لهم وكان ذلك مالك بن ذعر الخزاعى وإنما لم يذكر منتهى الإرسال كما لم يذكر منتهى المجىء أعنى الجب للإيذان بأن ذلك معهود لا يضرب عنه الذكر صفحا (فَأَدْلى دَلْوَهُ) أى أرسلها إلى الجب والحذف* لما عرفته فتدلى بها يوسف فخرج (قالَ) استئناف مبنى على سؤال يقتضيه الحال (يا بُشْرى هذا غُلامٌ) * كأنه نادى البشرى وقال تعالى فهذا أوانك حيث فاز بنعمة باردة وأى نعمة مكان ما يوجد مباحا من الماء وقيل هو اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه وقرأ غير الكوفيين يا بشراى وأمال فتحة الراء حمزة والكسائى وقرأ ورش بين اللفظين وقرىء يا بشرى بالإدغام وهى لغة وبشراى على قصد الوقف (وَأَسَرُّوهُ) * أى أخفاه الوارد وأصحابه عن بقية الرفقة وقيل أخفوا أمره ووجدانهم له فى الجب وقالوا لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر وقيل الضمير لأخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كان يوم بطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلامنا أبق منا فاشتروه منهم وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ولا يخفى ما فيه من البعد (بِضاعَةً) نصب على الحالية أى أخفوه حال كونه بضاعة أى* متاعا للتجارة فإنها قطعة من المال بضعت عنه أى قطعت للتجارة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) وعيد لهم على* ما صنعوا من جعلهم مثل يوسف وهو هو عرضة للابتذال بالبيع والشراء وما دبروا فى ذلك من الحيل (وَشَرَوْهُ) أى باعوه والضمير للوارد وأصحابه (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) زيف ناقص العيار (دَراهِمَ) بدل من ثمن أى لا دنانير (مَعْدُودَةٍ) أى غير موزونة فهو بيان لقلته ونقصانه مقدارا بعد بيان نقصانه فى نفسه إذ* المعتاد فيما لا يبلغ أربعين العددون الوزن فعن ابن عباس رضى الله عنهما أنها كانت عشرين درهما وعن السدى رضى الله عنه أنها كانت اثنين وعشرين درهما (وَكانُوا) أى البائعون (فِيهِ) فى يوسف (مِنَ الزَّاهِدِينَ) من الذين لا يرغبون فيما بأيديهم فلذلك باعوه بما ذكر من الثمن البخس وسبب ذلك أنهم التقطوه والملتقط للشىء متهاون به أو غير واثق بأمره يخاف أن يظهر له مستحق فينتزعه منه فيبيعه من أول مساوم بأوكس ثمن ويجوز أن يكون معنى شروه اشتروه من إخوته على ما حكى وهم غير راغبين فى شراه خشية ذهاب مالهم لما طن فى آذانهم من الإباق والعدول عن صيغة الافتعال المنبئة عن الاتخاذ لما مر من أن أخذهم إنما كان بطريق البضاعة دون الاجتباء والاقتناء وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف