ما يعيشه الناس من قيم متخلّفة ، كان الموقف منها موقفا سلبيا ، يتمثل بالأسى والألم والشعور بالمنقصة ، كما حدثنا القرآن عن ذلك في قوله تعالى :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [النحل : ٥٨ ـ ٥٩].
وفي هذا الجو عاشت المرأة على هامش الحياة ، كما تعيش الكميات المهملة التي ليس لها قيمة بذاتها ، بل بما هي حالة تابعة للرجل ، كأيّ متاع من أمتعة البيت لا حسّ له ولا روح ، وبذلك فقدت الفرصة في تنمية طاقتها وتوجيهها لما ينفع الحياة والإنسان.
أما التجربة الحديثة ، فقد حاولت أن تماهي بالمطلق بين الرجل والمرأة من خلال فكرة المساواة ، التي حصرت همّها بالإطار الإنساني العام الجامع للمرأة والرجل ، من دون التفات إلى الجوانب الخاصة المميزة لكل منهما ، مما أبعدها ، أيضا ، عن مبدأ التوازن. فالنظرة المعاصرة نهضت على مفهوم المساواة بينها وبين الرجل ، على ضوء فكرة الحريات ؛ فقالوا بأن المرأة إنسانة مستعبدة ومقهورة ومظلومة في البيت وفي العمل وفي علاقات الحياة ، فلا بد لها من أن تأخذ حريتها ، كجزء من حركة الحرية في حياة الإنسان ، لكي تفجر طاقاتها في بناء الحياة والإنسان. ومن الواضح ، أن هذه النظرة هي بمثابة ردّ فعل على الواقع القاسي الذي كانت تعاني منه المرأة ، وهي كأيّ ردّ فعل ، تفتقد الاتزان والهدوء ، فكان أن منحت المرأة الحرية في كل مجال ، وطالبت لها بالمساواة في كل شيء ، وبدأ السير في اتجاه الخطأ من هذا الموقع ، الذي ساهم في إلغاء خصوصية كلّ من الرجل والمرأة ، فأبعد كلّا منهما عن أن يكون إنسانا من نوع خاص ، لتتكامل الإنسانية ، في نموذجها الإنساني ، في جوانب اللقاء وفي جوانب الافتراق ؛ فانطلقت المرأة في محاولة الاسترجال ، وانطلق الرجل في محاولات التأنّث أو التخنُّث ،