ومن الممكن أن يكون هذا المعنى ، هو الذي أوجب اختلاف النداءات ، فهناك النداء الذي يبدأ بكلمة (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، والنداء الذي يبدأ بكلمة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في ما يريده القرآن من الدعوة الى التقوى. فإن هناك أسلوبا يعمل على تحريك النفس الإنسانية على مشاعر الإيمان والتقوى في جانبها الإنساني ، ويقابل ذلك في اتجاه المؤمنين ، أسلوب آخر يخاطب به المؤمنين لاستثارة إيمانهم ، وتحويله إلى قوة فاعلة حية لا تتجمد في المشاعر ، ولا تغيب في أجواء التجريد ؛ للتأكيد على تزاوج الإيمان والعمل في علاقة الإيمان بالفكر والشعور بالعمل في خط الحركة. وفي هذا الجو يستطيع الداعية المسلم أن يفرّق في أسلوبه العملي الذي يريد من خلاله استثارة الآخرين بطريقة النداء ، بين ما يرتبط بالجانب الإنساني الذي يخاطب به جميع الناس ، وبين ما يرتبط بالجانب الإيماني الذي يخاطب به المؤمنين ؛ فلا يخلط بينهما ، حين يفرض فيه التفريق ؛ لأن لذلك دخلا كبيرا في واقعية الأسلوب ومرونته وفاعليته. وربما كان من المفيد ـ في هذا المجال ـ أن لا يشعر بالحرج ، إذا احتاج إلى تجاوز صفة الإيمان في خطابه ، والتأكيد على الصفة الإنسانية ، تبعا لاختلاف المواقف والأشخاص ، لأن ذلك لا يعني إغفالها ، بل يعمل على إغنائها بعنصر إيجابي جديد.
* * *
مدلول التقوى في التربية الإسلامية
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) التقوى هي الدعوة التي يدعو الله إليها عباده في أغلب الآيات ، لممارستها كأسلوب تربويّ في نطاق العمل الإنساني من خلال مراقبة الله والإحساس العميق بوجوده. والفرق كبير بين أن تقول لإنسان ما : اعمل كذا ، وبين أن تدعوه إلى العمل تحت شعار التقوى.