وتشكِّل هذه النظرة التشريعية المتوازنة للحياة ، الأرضية التي تحكم أحكام الإسلام العامة والخاصة. فالإسلام ، في كل تجلياته العقيدية والأخلاقية والحقوقية ، إنما يحاكي الطبيعة الحقيقة للإنسان ، ولا يسعى للابتعاد عن هذا الموقع ؛ الأمر الذي يجعل الإنسان لصيقا بواقعه الإنساني كما هو وكما ينبغي أن يكون عليه ، وهذا من شأنه أن يجعل الأحكام أحكاما سمحة منيرة في متناول الإمكان العملي ، لا أحكاما تضغط على حياة الإنسان بحيث تحوّلها إلى عبء ثقيل لا يطاق ، بما ينحرف به عن المسار الحقيقي والواقعي الذي ينبغي له. ولذلك لم يطرح الإسلام المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في مفردات المسؤولية ، بل ساوى بينهما في المواقع العامة للإنسانية ، وفرّق بينهما في خصائصها. وهكذا أراد للإنسانية الاستفادة ، في نموّها وثقافتها وحقيقتها ، من موقع التقاء الرجل والمرأة ، كما تستفيد من موقع اختلافهما.
ولعل التجربة الفاشلة ، في الماضي والحاضر ، من خلال ما أعطاه الإنسان ، في مفاهيمه وتشريعاته ، للمرأة ، تدلّ دلالة واضحة على صحة النظرة الإسلامية الواقعية ، لأن كلتا التجربتين دلّلتا ـ من موقعين مختلفين ـ على أن النظرة الواحدة من زاوية ضيقة لا تحل المشكلة ، بل تخلق مشكلة جديدة. ففي التجربة الماضية كان التركيز على الفواصل التي تفصل بين الرجل والمرأة ، مع التأكيد على إثارة النقاط السلبية لدى المرأة بشكل غير واقعي. أما النقاط التي يلتقيان فيها في موقع الإنسانية ، فقد حاولت الابتعاد عنها كثيرا. وكان الحديث يدور لدى بعض الفلاسفة ، حول ما إذا كانت المرأة ذات روح أو لا؟! وكان عقلها موضع شك ، وإنسانيتها ، في عمق القيمة ، موضع إهمال ؛ فلم ينظر إليها من موقع التكامل الذاتي الذي يجمع الروح والعقل في الإطار الإنساني ، بل كلّ ما هناك ، أنهم نظروا إليها كأنثى ، كأداة للمتعة فحسب. ولما كان هذا الجانب من شخصيتها يوحي بالعار ، في