مريم ابنة عمران التي استسلمت ، في البداية ، لنقطة ضعف أنثوية ، في ما عبّر عنه الله بقوله ـ حكاية عنها ـ (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣] ، ولكنها سرعان ما تمالكت نفسها وتماسك موقفها ، بعد أن فتح الله أمامها أبواب الأمل والطمأنينة ، المتمثلة بحدث الولادة المبارك ، ودعاها إلى الاعتصام به والثبوت أمام هجمات مجتمعها المتهمة لها بالسوء ، والصوم عن الكلام تأكيدا للرفض المترفع عن دناءة التهمة ، والثقة المطلقة بأنها تملك من قوة البراءة ما يجعلها فوق مستوى الاتهام. واجهت قومها ، الذين جاؤوا يلعنونها ويشتمونها ويتهمونها بأبشع الاتهامات ، بكل قوة وترفع ، من دون أن تنطق بكلمة ، وأشارت إلى المولود ليجيبهم عن تشكيكاتهم واتهاماتهم غير مكترثة باستغرابهم ، لأنها كانت محصنة بقوة الإيمان.
وثمة حديث قرآني آخر عن امرأة فرعون ، التي تجسّدت في شخصيتها قوة الإرادة المتحدية لإغراءات سلطة المال والجاه والسلطان فواجهت الواقع الصعب الملفوف بأجواء الكفر ، والمحفوف بالآلام والأشواك ، مستعينة بالله أولا وبوعده الخاص المتمثل بفيض رضوانه الأكبر أي الجنة ، غارفة من هذا كله ، القوة والعون والصبر.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم : ١١]. ونلاحظ أن الله أراد ضرب امرأة فرعون مثلا للذين آمنوا رجالا كانوا أو نساء ؛ مما يوحي بأن المرأة الصالحة القوية تمثل دور القدوة للرجال والنساء معا. وهذا من أكبر الشواهد على احترام الإسلام للمرأة وتكريمه لها ، بالمستوى الذي يدعو الرجال المؤمنين إلى الاقتداء بها في هذا التجسيد الحي للإيمان الرافض لكل المتع والإغراءات في أجواء السلطة ، ولكل