باعتبار أنها واردة في مقام تسلسل الخلق ، دون أن يتم الخلق من ضلع آدم ، فإن الآية لا تدل عليه ؛ بل يمكن أن يتجه النظر نحو الجزء المتبقي من الطينة التي خلق منها آدم. وقد ورد ذلك في حديث عن الإمام محمد الباقر عليهالسلام في ما رواه في تفسير الميزان ، عن نهج البيان للشيباني ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام : من أي شيء خلق الله حواء؟ فقال عليهالسلام : أي شيء يقولون هذا الخلق؟ قلت يقولون : إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم. فقال : كذبوا ، أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت : جعلت فداك ، من أي شيء خلقها؟ فقال : أخبرني أبي عن آبائه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين ، فخلطها بيمينه ، وكلتا يديه يمين ، فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين ، فخلق منها حوّاء (١).
ومما يؤكد ذلك أن الله تحدث في آيات أخرى عن الموضوع بطريقة الجمع ، مما يدل على أن المراد من خلق الزوج من نوعه ومن عنصره الأصلي وذلك في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) [الروم : ٢١] ، وفي قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [النحل : ٧٣] ، فإن من المعلوم من خلال طبيعة التعبير ، أن المراد منه أن الله خلق لكل إنسان من داخل نوعه زوجا ، لا من بعض أعضاء جسده. والله العالم.
هذا في جانب ، وفي جانب آخر فإننا قد نستوحي من عنوان «النفس الواحدة» الرفض القرآني لكل جوانب التمييز العنصري والعرقي واللوني واللغوي والجغرافي ، فإن هذه العناصر المتنوعة لا تمثل عمقا في إنسانية
__________________
(١) ـ الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ـ لبنان ، ط : ١ ـ ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ٤ ، ص : ١٥١.