الروحية التي تعيش في داخل الذات ، من أجل انطلاق التغيير من موقع القناعة في عملية مساهمة ذاتية في الوصول إلى الهدف ، بعيدا عن أيّ ضغط خارجي ، لأن الضغط وحده قد يحقق حركة التشريع في الواقع بقوة ، ولكنه لا يبني العلاقات الروحية والاجتماعية في إطار الحياة الداخلية التي يعيشها الناس. وقد نستكشف ذلك من ملاحظة الروحية التي تعيشها بعض الشعوب المتمدنة كأوروبا وأميركا ضد السود ، انطلاقا من الشعور بسيادة اللون الأبيض على اللون الأسود ، المنطلقة من تاريخ استعباد البيض للسود ، وفقدان القناعة بالواقع القانوني الذي شرّع تحرير العبيد. أمّا الإسلام ، فقد أطلق النظرة الإنسانية في المفهوم الإسلامي في قضية الرقّ ، فلم يفرّق بين الحر والعبد في الموقع الإنساني ، بل كان التفريق في حركة القانون ، فإذا فقد القانون ساحته بالانتقال إلى مجال الحرية ، كانت العلاقات الإنسانية بين الناس طبيعية ، لأنها لم تتحرك من عمق المفهوم الداخلي ، بل تحركت من سطح الطبيعة القانونية للعلاقة.
* * *
(ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) ربما كان المراد من العول هو الانحراف عن خط الحق ، لأن الإنسان الذي يقف عند حدود قدراته الذاتية ، يستطيع أن يستقيم على طريق الله ؛ أما الذي يتجاوز قدراته ، فإنه سوف يسقط في التجربة الصعبة ويسير في النهاية على أساس خط الانحراف. ولعل هذه الفقرة تعطينا الفكرة التي ألمحنا إليها ، وهي أن الاشتراط وارد على أساس الاحتياط ، للانسجام مع أوامر الله ونواهيه ، وليس جاريا مجرى الإلزام القانوني ؛ والله العالم.
* * *