المسألة الثانية والعشرون
فى
خلق الأفعال (١)
اعلم : أن للعقلاء فى الأفعال الاختيارية التى للحيوانات قولين :
القول الأول : ان ذلك الحيوان غير مستقل بايجاده وتكوينه.
وأصحاب هذا القول : فرق أربع :
الفرقة الأولى : الذين يقولون : ان الفعل موقوف على الداعى. فاذا حصلت القدرة وانضم إليها الداعى ، صار مجموعهما علة موجبة للفعل. وهذا قول جمهور الفلاسفة. واختيار «أبى الحسين البصرى» ـ من المعتزلة ـ وهو وان كان يدعى الغلو فى الاعتزال ، حتى ادعى أن العلم ـ بأن العبد يوجد ويستقل بالفعل ـ ضرورى. الا أنه لما كان من مذهبه : أن الفعل موقوف على الداعى. واذا كان عند الاستواء ، يمتنع وقوعه. وحال المرجوحية أولى بالامتناع. واذا امتنع المرجوح وجب الراجح. لأنه لا خروج عن النقيضين : كان هذا عين القول بالجبر. لأن الفعل واجب الوقوع عند حصول المرجح ، وممتنع الوقوع عند عدم المرجح. فثبت : أن «أبا الحسين» كان شديد الغلو فى القول بالجبر ، وان كان يدعى فى ظاهر الأمر : أنه عظيم الغلو فى الاعتزال.
الفرقة الثانية : الذين يقولون : المؤثر فى وجود الفعل هو مجموع قدرة الله تعالى وقدرة العبد. ويشبه أن يكون هذا قول «الأستاذ
__________________
(١) انظر تقديمنا لكتاب لباب الاشارات والتنبيهات. ولكتاب القضاء والقدر للرازى. وهو الجزء التاسع من كتابه «المطالب العالية من العلم الالهى» ـ طبعة مستقلة ـ