الفصل الثانى
فى
بيان أن الله تعالى مريد
اتفقت الأمة على اطلاق هذا اللفظ. الا أنهم اختلفوا فى معناه فذهب «حسين النجار» الى أن معناه : أنه تعالى غير مغلوب ولا مستكره. فجعل كونه تعالى مريدا ، وصفا سلبيا. وقال «أبو القاسم البلخى» : معنى كونه مريدا لأفعال نفسه : أنه موجد لها ، ومعنى كونه مريدا لأفعال غيره : أنه آمر بها. وقال «أبو الحسين البصرى» : معنى كونه مريدا لأفعال نفسه أنه دعاه الداعى الى ايجادها. ومعنى كونه مريدا لأفعال غيره : أنه دعاه الداعى الى الحث عليها ، والترغيب فى فعلها. ولعل مذهب «أبى القاسم البلخى» هو هذا.
ومذهبنا : أن كونه تعالى مريدا : صفة زائدة على كونه تعالى عالما ـ وهذا مذهب جمهور البصريين من المعتزلة ـ
لنا : انا وجدنا بعض أفعال الله تعالى متقدمة ، وبعضها متأخرة مع أن ما تقدم ، كان يجوز فى العقل أن يتأخر ، وما تأخر كان يجوز فى العقل أن يتقدم. واذا كان كذلك ، افتقر ذلك التقدم والتأخر ، الى مرجح ومخصص ، لامتناع حصول الرجحان لا عن مرجح. ثم نقول : ذلك المرجح اما القدرة أو العلم أو صفة أخرى. لا جائز أن يكون هو القدرة. لأن خاصية القدرة : الايجاد. وذلك بالنسبة الى جميع الأوقات على السوية. ولا جائز أن يكون هو العلم. لأن العلم بالوقوع تبع للوقوع. فلو كان هو تبعا لذلك العلم ، لزم الدور. فثبت : أنه لا بد من شيء آخر ، يكون مخصصا ومرجحا سوى القدرة والعلم. وظاهر أن الحياة والكلام والسمع والبصر لا تصلح