قوله تعالى : (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ) قال ابن الأنباري : كانت لهم في علم الله قبل أن يخلقوا. وروى البخاريّ ومسلم في (الصّحيحين) من حديث أبي موسى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(٩٤٦) «جنان الفردوس أربع ، ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما ، وثنتان من فضّة حليتهما وآنيتهما وما فيها ، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن».
(٩٤٧) وروى عبادة بن الصّامت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الجنّة مائة درجة ، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض ، الفردوس أعلاها ، ومنها تفجّر أنهار الجنّة ، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس». قال أبو أمامة : الفردوس سرّة الجنّة. قال مجاهد : الفردوس : البستان بالرّوميّة. وقال كعب ، والضّحّاك : «جنات الفردوس» : جنّات الأعناب. قال الكلبيّ ، والفرّاء : الفردوس : البستان الذي فيه الكرم. وقال المبرّد : الفردوس فيما سمعت من كلام العرب : الشجر الملتفّ ، والأغلب عليه العنب. وقال ثعلب : كلّ بستان يحوّط عليه فهو فردوس ، قال عبد الله بن رواحة:
في جنان الفردوس ليس يخافون |
|
خروجا عنها ولا تحويلا |
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : قال الزّجّاج : الفردوس أصله روميّ أعرب ، وهو البستان ، كذلك جاء في التّفسير ، وقد قيل : الفردوس تعرفه العرب ، وتسمّي الموضع الذي فيه كرم : فردوسا. وقال أهل اللغة : الفردوس مذكّر ، وإنما أنّث في قوله تعالى : (يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١). لأنه عنى به الجنّة. وقال الزّجّاج : وقيل : الفردوس : الأودية التي تنبت ضروبا من النّبت ، وقيل : هو بالرّوميّة منقول إلى لفظ العربية ، قال : والفردوس أيضا بالسّريانيّة كذا لفظه : فردوس ، قال : ولم نجده في أشعار العرب إلّا في شعر حسّان ، وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كلّ ما يكون في البساتين ، لأنه عند أهل كلّ لغة كذلك ، وبيت حسّان :
فإنّ ثواب الله كلّ موحّد |
|
جنان من الفردوس فيها يخلّد (٢) |
____________________________________
(٩٤٦) صحيح. أخرجه البخاري ٤٨٧٨ و ٤٨٨٠ و ٧٤٤٤ ومسلم ١٨٠ والترمذي ٢٥٢٨ وابن ماجة ١٨٦ وابن أبي عاصم في «السنة» ٦١٣ وأحمد ٤ / ٤١١ والدولابي في «الكنى» ٢ / ٧١ وابن أبي داود في «البعث» ٥٩ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٦ وابن حبان ٧٣٨٦ والبيهقي في «الاعتقاد» ص ١٣٠ والبغوي في «شرح السنة» ٤٢٧٥ والذهبي في «تذكرة الحفاظ» ١ / ٢٧٠ من طرق عن أبي موسى الأشعري. وأخرجه أحمد ٤ / ٤١٦ وابن أبي شيبة ١٣ / ١٤٨ والدارمي ٢ / ٣٣٣ والطيالسي ٥٢٩ وابن مندة في «التوحيد» ٧٨١ من طريق أبي قدامة الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني به وأتم منه وكلهم عن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن».
(٩٤٧) صحيح. أخرجه الترمذي ٢٥٣١ وأحمد ٥ / ٣١٦ والطبري ٢٣٤٠٦ و ٢٣٤٠٧ والحاكم ١ / ٨٠ والبيهقي في «البعث» ٢٤٨ من حديث عبادة بن الصامت ، وإسناده صحيح. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وله شواهد كثيرة عند الطبري والبيهقي. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٥٣٦ بتخريجنا.
__________________
(١) سورة المؤمنون : ١١.
(٢) البيت في ديوانه : ١٥٠ واللسان ـ فردس ـ.