(٩٦٤) والثالث : أنّ جبريل احتبس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، والرّوح ، فلم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيه جبريل بجواب ، فأبطأ عليه ، فشقّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشقّة شديدة ، فلمّا نزل جبريل قاله له : «أبطأت عليّ حتى ساء ظنّي ، واشتقت إليك» فقال جبريل : إنّي كنت أشوق ، ولكنّي عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة ، وقتادة ، والضّحّاك.
وفي سبب احتباس جبريل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قولان : أحدهما : لامتناع أصحابه من كمال النّظافة ، كما ذكرنا في حديث مجاهد. والثاني : لأنهم سألوه عن قصة أصحاب الكهف ، فقال : «غدا أخبركم» ، ولم يقل : إن شاء الله ؛ وقد سبق هذا في سورة الكهف.
وفي مقدار احتباسه عنه خمسة أقوال : أحدها : خمسة عشر يوما ؛ وقد ذكرناه في الكهف عن ابن عباس. والثاني : أربعون يوما ، قاله عكرمة ، ومقاتل. والثالث : اثنتا عشرة ليلة ، قاله مجاهد. والرابع : ثلاثة أيام ، حكاه مقاتل. والخامس : خمسة وعشرون يوما ، حكاه الثّعلبيّ. وقيل : إنّ سورة الضحى نزلت في هذا السبب. والمفسّرون على أنّ قوله : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) قول جبريل. وحكى الماوردي : أنه قول أهل الجنة إذا دخلوها ، فالمعنى : ما ننزل هذه الجنان إلّا بأمر الله. وقيل : ما ننزل موضعا من الجنة إلّا بأمر الله.
وفي قوله (ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) قولان (١) : أحدهما : ما بين أيدينا : الآخرة ، وما خلفنا : الدنيا ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل. والثاني : ما بين أيدينا : ما مضى من الدنيا ، وما خلفنا من الآخرة ، فهو عكس الأول ، قاله مجاهد : وقال الأخفش : ما بين أيدينا : قبل أن نخلق ، وما خلفنا بعد الفناء.
وفي قوله تعالى : (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ثلاثة أقوال : أحدها : ما بين الدنيا والآخرة ، قاله سعيد بن جبير. والثاني : ما بين النّفختين ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية. والثالث : حين كوننا ، قاله الأخفش. قال ابن الأنباري : وإنّما وحّد ذلك ، والإشارة إلى شيئين : أحدهما : «ما بين أيدينا». والثاني : «ما خلفنا» ، لأنّ العرب توقع ذلك على الاثنين والجمع.
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) النّسيّ ، بمعنى النّاسي. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : ما كان تاركا لك منذ أبطأ الوحي عنك ، قاله ابن عباس. وقال مقاتل : ما نسيك عند انقطاع الوحي عنك. والثاني : أنه عالم بما كان ويكون ، لا ينسى شيئا ، قاله الزّجّاج.
____________________________________
(٩٦٤) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٠٨ عنهم بدون إسناد. وأثر الضحاك ، أخرجه الطبري ٢٣٨١٢. وأثر قتادة. أخرجه الطبري ٢٣٨٠٩. ويشهد لأصله خبر ابن عباس المتقدم.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٨ / ٣٦٠ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : له ما بين أيدينا من أمر الآخرة ، لأن ذلك لم يجيء وجاء ، فهو بين أيديهم ، فإن أغلب الناس إذا قالوا : هذا الأمر بين يديك ، أنهم يعنون به ما لم يجئ وأنه جاء. وبالتالي ـ وما خلفنا من أمر الدنيا ، وذلك ما قد خلفوه فمضى ، وما بين ذلك : ما بين ما لم يمض من أمر الدنيا إلى الآخرة.