الدّلالة وتحقيق المعرفة وإزالة الشّبهة ، ومثله : (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (١). قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : «أنّي» بفتح الألف والياء. وقرأ نافع وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «إنّي» بكسر الألف ، إلّا أنّ نافعا فتح الياء ، قال الزّجّاج : من قرأ : «أنّي أنا» بالفتح ، فالمعنى : نودي بأنى أنا ربّك ، ومن قرأ بالكسر ، فالمعنى : نودي يا موسى ، فقال الله : إنّي أنا ربّك. قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) في سبب أمره بخلعهما قولان :
(٩٧٢) أحدهما : أنهما كانا من جلد حمار ميت ، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبه قال عليّ بن أبي طالب ، وعكرمة.
والثاني : أنهما كانا من جلد بقرة ذكّيت ، ولكنه أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدّسة ، فتناله بركتها ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة.
قوله تعالى : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) فيه قولان قد ذكرناهما في سورة المائدة (٢) عند قوله تعالى : (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ). قوله تعالى : (طُوىً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «طوى ، وأنا» غير مجراة. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «طوى» مجراة ؛ وكلّهم ضمّ الطاء ، وقرأ الحسن وأبو حيوة : «طوى» بكسر الطاء مع التنوين ، وقرأ عليّ بن نصر عن أبي عمرو : «طوى» بكسر الطاء من غير تنوين. قال الزّجّاج : في «طوى» أربعة أوجه. طوى ، بضمّ أوّله من غير تنوين وبتنوين. فمن نوّنه ، فهو اسم للوادي. وهو مذكّر سمّي بمذكّر على فعل نحو حطم وصرد ، ومن لم ينوّنه ترك صرفه من جهتين : إحداهما : أن يكون معدولا عن طاو ، فيصير مثل «عمر» المعدول عن عامر ، فلا ينصرف كما لا ينصرف «عمر». والجهة الثانية : أن يكون اسما للبقعة ، كقوله : (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) (٣) ، وإذا كسر ونون فهو مثل معى. والمعنى : المقدّس مرّة بعد مرّة كما قال عديّ بن زيد :
أعاذل ، إنّ اللوم في غير كنهه |
|
عليّ طوى من غيك المتردّد |
أي : اللوم المكرّر عليّ ؛ ومن لم ينوّن جعله اسما للبقعة.
وللمفسّرين في معنى «طوى» ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اسم الوادي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : أنّ معنى «طوى» : طأ الوادي ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وعن مجاهد كالقولين. والثالث : أنه قدّس مرّتين ، قاله الحسن وقتادة.
قوله تعالى : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أي : اصطفيتك ، وقرأ حمزة ، والمفضّل : «وأنّا» بالنون المشدّدة
____________________________________
(٩٧٢) ضعيف جدا. أخرجه الترمذي ١٧٣٤ والطبري ٢٤٠٣٨ والحاكم ٢ / ٣٧٩ والذهبي في «الميزان» ١ / ٦١٥ من طرق عن حميد بن عبد الله الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا. صححه الحاكم على شرط البخاري! وتعقبه الذهبي بقوله : بل ليس على شرط البخاري وإنما غرّه أن في الإسناد حميد بن قيس كذا ، وهو خطأ. إنما هو حميد الأعرج الكوفي ابن علي أو ابن عمارة ، أحد المتروكين. فظنه المكي الصادق. وقال الترمذي : غريب ، وحميد هو ابن علي ، سمعت محمدا ـ البخاري ـ يقول : منكر الحديث. ونقل الذهبي في «الميزان» ١ / ٦١٥ عن ابن حبان قوله : روى عن ابن مسعود نسخة كأنها موضوعة.
__________________
(١) سورة الحجر : ٨٩.
(٢) سورة المائدة : ٢١.
(٣) سورة القصص : ٣٠.