النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) يعني : فرعون (آياتِنا كُلَّها) يعني : التّسع الآيات ، ولم ير كلّ آية لله ، لأنها لا تحصى ، (فَكَذَّبَ) إذ نسب الآيات إلى الكذب ، وقال : هذا سحر (وَأَبى) أن يؤمن (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا) يعني : مصر (بِسِحْرِكَ) أي : تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) أي : فلنقابلنّ ما جئت به من السّحر بمثله (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) أي : اضرب بيننا وبينك أجلا وميقاتا (لا نُخْلِفُهُ) أي : لا نجاوزه (نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً) وقيل : اجعل بيننا وبينك موعدا مكانا نتواعد لحضورنا ذلك المكان ، ولا يقع منّا خلاف في حضوره. (سُوىً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائيّ بكسر السين. وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وخلف ، ويعقوب : «سوى» بضمّها. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو المتوكّل ، وابن أبي عبلة : «مكانا سواء» بالمد والهمز والنّصب والتنوين وفتح السين. وقرأ ابن مسعود مثله ، إلا أنه كسر السين. قال أبو عبيدة : هو اسم للمكان النّصف فيما بين الفريقين ، والمعنى : مكانا تستوي مسافته على الفريقين ، فتكون مسافة كلّ فريق إليه كمسافة الفريق الآخر. (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) قرأ الجمهور برفع الميم. وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن أبي عبلة ، وهبيرة عن حفص بنصب الميم. وفي هذا «اليوم» أربعة أقوال :
أحدها : يوم عيد لهم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، والسّدّيّ عن أشياخه ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد. والثاني : يوم عاشوراء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثالث : يوم النّيروز ، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السّنّة ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والرابع : يوم سوق لهم ، قاله سعيد بن جبير.
وأمّا رفع اليوم ، فقال البصريّون : التقدير : وقت موعدكم يوم الزّينة ، فناب الموعد عن الوقت ، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إذا ظهر. فأمّا نصبه ، فقال الزّجّاج : المعنى : موعدكم يقع يوم الزّينة ، (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) موضع «أن» رفع ، المعنى : موعدكم حشر الناس (ضُحًى) أي : إذا رأيتم الناس قد حشروا ضحى. ويجوز أن تكون «أن» في موضع خفض عطفا على الزّينة ، المعنى : موعدكم يوم الزّينة ويوم حشر الناس ضحى. وقرأ ابن مسعود : وابن يعمر ، وعاصم الجحدريّ : «وأن تحشر» بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب «الناس». وعن ابن مسعود ، والنّخعيّ : «وأن يحشر» بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب «الناس».
قال المفسّرون : أراد بالناس : أهل مصر ، وبالضّحى : ضحى اليوم ، وإنما علّقه بالضّحى ، ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس ، فيكون أبلغ في الحجّة وأبعد من الرّيبة.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) فيه قولان : أحدهما : أنّ المعنى : تولّى عن الحقّ الذي أمر به. والثاني : أنه انصرف إلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى ، أي : مكره وحيلته (ثُمَّ أَتى) أي : حضر الموعد. قال لهم موسى : أي للسحرة وقد ذكرنا عددهم في الأعراف (١).
__________________
(١) سورة الأعراف : ١١٤.