وإثبات الألف في قوله : «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري : هي لغة لنبي الحارث بن كعب ، وافقتها لغة قريش. قال الزّجّاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطّاب ، وهو رأس من رؤوس الرّواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : أتاني الزّيدان ، ورأيت الزّيدان ، ومررت بالزّيدان ، وأنشدوا :
فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأى |
|
مساغا لناباه الشّجاع لصمّما (١) |
ويقول هؤلاء : ضربته بين أذناه وقال النّحويون القدماء : ها هنا هاء مضمرة ، المعنى : إنه هذان لساحران. وقالوا أيضا : إنّ معنى «إنّ» : نعم «هذان لساحران» ، وينشدون :
ويقلن شيب قد علاك |
|
وقد كبرت فقلت إنّه (٢) |
قال الزّجّاج : والذي عندي ، وكنت عرضته على عالمنا محمّد بن يزيد ، وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حمّاد بن زيد ، فقبلاه ، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أنّ «إنّ» قد وقعت موقع «نعم» ، والمعنى : نعم هذان لهما السّاحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة. وأستحسن هذه القراءة ، لأنها مذهب أكثر القرّاء ، وبها يقرأ. وأستحسن قراءة عاصم ، والخليل ، لأنهما إمامان ، ولأنهما وافقا أبيّ بن كعب في المعنى. ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف. وحكى ابن الأنباري عن الفرّاء قال : «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرّقت بين الواحد والتثنية ، كما فرّقت نون «الذين» بين الواحد والجمع.
قوله تعالى : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ) وقرأ أبان عن عاصم : «ويذهبا» بضمّ الياء وكسر الهاء. وقرأ ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبو رجاء العطاردي : «ويذهبا بالطريقة» بألف ولام ، مع حذف الكاف والميم. وفي الطّريقة قولان : أحدهما : بدينكم المستقيم ، رواه الضّحّاك عن ابن عبّاس. وقال أبو عبيدة : بسنّتكم ودينكم وما أنتم عليه ، يقال : فلان حسن الطريقة. والثاني : بأمثلكم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد : بأولي العقل ، والأشراف ، والأسنان. وقال الشّعبيّ : يصرفان وجوه الناس إليهما. قال الفرّاء : الطّريقة : الرجال الأشراف ، تقول العرب للقوم الأشراف : هؤلاء طريقة قومهم ، وطرائق قومهم.
فأمّا «المثلى» فقال أبو عبيدة : هي تأنيث الأمثل. تقول في الإناث : خذ المثلى منها ، وفي الذكور : خذ الأمثل. وقال الزّجّاج : ومعنى المثلى والأمثل : ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال هذا أمثل قومه ؛ قال : والذي عندي أنّ في الكلام محذوفا ، والمعنى : يذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، وقول العرب : هذا طريقة قومه ، أي : صاحب طريقتهم.
قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) قرأ الأكثرون : «فأجمعوا» بقطع الألف من «أجمعت». والمعنى : ليكن عزمكم مجمعا عليه ، لا تختلفوا فيختلّ أمركم. قال الفرّاء : والإجماع : الإحكام والعزيمة على
__________________
(١) البيت للمتلمس. وهو في «اللسان» ـ صمم ـ. والشجاع : ضرب من الحيات ، وقيل الحية الذكر. والمساغ : المدخل ، وفي حديث أبي أيوب : إذا شئت فاركب ثم سغ في الأرض ما وجدت مساغا.
(٢) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات ، وهو في «اللسان» ـ أنن ـ.
أي : إنّه كما تقلن.