(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))
قوله تعالى : (وَالْبُدْنَ) وقرأ الحسن ، وابن يعمر برفع الدال. قال الفرّاء : يقال : بدن وبدن ، والتخفيف أجود وأكثر ، لأنّ كلّ جمع كان واحده على «فعلة» ثم ضمّ أول جمعه ، خفّف ، مثل : أكمة وأكم ، وأجمة وأجم ، وخشبة وخشب. وقال الزّجّاج : «البدن» منصوبة بفعل مضمر يفسّره الذي ظهر ، والمعنى : وجعلنا البدن ؛ وإن شئت رفعتها على الاستئناف ، والنّصب أحسن ؛ ويقال : بدن وبدن وبدنة ، مثل قولك : ثمر وثمر وثمرة ؛ وإنما سمّيت بدنة ، لأنها تبدن ، أي : تسمن.
وللمفسّرين في البدن قولان : أحدهما : أنها الإبل والبقر ، قاله عطاء. والثاني : الإبل خاصّة ، حكاه الزّجّاج ، وقال : الأول قول أكثر فقهاء الأمصار. قال القاضي أبو يعلى : البدنة : اسم يختصّ الإبل في اللغة ، والبقرة تقوم مقامها في الحكم.
(١٠٠٨) لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
قوله تعالى : (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي : جعلنا لكم فيها عبادة لله ، من سوقها إلى البيت ، وتقليدها ، وإشعارها (١) ، ونحرها ، والإطعام منها ، (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) وهو النّفع في الدنيا والأجر في الآخرة ، (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) أي : على نحرها ، (صَوافَ) وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة : «صوافن» بالنون. وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو العالية ، والضّحّاك ، وابن يعمر : «صوافي» بالياء. وقال الزّجّاج : «صوافّ» منصوبة على الحال ، ولكنها لا تنوّن لأنها لا تنصرف ؛ أي : قد صفّت قوائمها (٢) ، والمعنى : اذكروا اسم الله عليها في حال نحرها (٣) ؛ والبعير ينحر قائما ، وهذه الآية تدلّ
____________________________________
(١٠٠٨) صحيح. أخرجه مسلم ١٣١٨ ح ٣٥٠ وأبو داود ٢٨٠٩ والترمذي ٩٠٤ وابن ماجة ٣١٣٢ والبغوي ١١٣٠ وابن حبان ٤٠٠٦ والبيهقي ٥ / ١٦٨ ـ ١٦٩ و ٢١٦ و ٢٣٤ و ٩ / ٢٩٤ من حديث جابر أنه قال : نحرنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية البقرة عن سبعة ، والبدنة عن سبعة. لفظ مسلم.
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٥ / ٤٥٥ فصل : ويسن إشعار الإبل والبقر ، وهو أن يشق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها في قول عامة أهل العلم ، وقال أبو حنيفة : هذا مثله غير جائز لأن النبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن تعذيب الحيوان ، ولأنه إيلام ، فهو كقطع عضو منه. وقال مالك : إن كانت البقرة ذات سنام ، فلا بأس بإشعارها ، وإلا فلا ، ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : فتلت قلائد هدي النبي صلىاللهعليهوسلم ثم أشعرها وقلدها.
متفق عليه ، ورواه ابن عباس وغيره ، وفعله الصحابة ، فيجب تقديمه على عموم ما احتجوا به ... إذا ثبت هذا فالسنة الإشعار في صفحتها اليمنى ، وبهذا قال الشافعي وأبو ثور ، وقال مالك وأبو يوسف : بل تشعر في صفحتها اليسرى وعن أحمد مثله.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ٥ / ٢٩٨ : والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى ، فيضربها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر. وممن استحب ذلك مالك ، والشافعي وإسحاق ، وابن المنذر. واستحب عطاء نحرها باركة. وجوّز الثوري وأصحاب الرأي كل ذلك. ولنا ، ما روى زياد بن جبير ،