تسبح وجلس الحسن على طعام فقدّموا الخوان ، فقيل له : أيسبّح هذا الخوان؟ ، فقال : قد كان يسبّح مرّة. والثالث : أنه كلّ شيء لم يغيّر عن حاله ، فإذا تغيّر انقطع تسبيحه ، روى خالد بن معدان عن المقدام بن معديكرب قال : إنّ التراب ليسبّح ما لم يبتلّ ، فإذا ابتلّ ترك التّسبيح ، وإنّ الورقة تسبّح ما دامت على الشجرة ، فإذا سقطت تركت التّسبيح ، وإنّ الثوب ليسبّح ما دام جديدا ، فإذا توسّخ ترك التّسبيح. فأمّا تسبيح الحيوان النّاطق ، فمعلوم ، وتسبيح الحيوان غير النّاطق ، فجائز أن يكون بصوته ، وجائز أن يكون بدلالته على صانعه. وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تسبيح لا يعلمه إلّا الله. والثاني : أنه خضوعه وخشوعه لله. والثالث : دلالته على صانعه ، فيوجب ذلك تسبيح مبصره. فإن قلنا : إنه تسبيح حقيقة ، كان قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لجميع الخلق ؛ وإن قلنا : إنه دلالته على صانعه ، كان الخطاب للكفّار ، لأنهم لا يستدلّون ، ولا يعتبرون. وقد شرحنا معنى «الحليم» و «الغفور» في سورة البقرة.
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))
قوله تعالى : (حِجاباً مَسْتُوراً) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الحجاب : هو الأكنّة على قلوبهم ، قاله قتادة. والثاني : أنه حجاب يستره فلا يرونه ؛ وقيل : إنّها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قرأ القرآن.
(٨٩٥) قال الكلبيّ : وهم أبو سفيان والنّضر بن الحارث وأبو جهل وأمّ جميل امرأة أبي لهب ،
____________________________________
(٨٩٥) باطل بهذا اللفظ ، والكلبي كذاب يضع الحديث. وقد ورد في كتب الحديث. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : لما نزلت سورة (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول
: مذمما أبينا |
|
ودينه قلينا |
وأمره عصينا. |
والنبي جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنها لن تراني» وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال وقرأ (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال : لا وربّ هذا البيت ما هجاك فولّت ، وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها. حديث حسن بشواهده. أخرجه الحميدي ٣٢٣ والحاكم ٢ / ٣٦١ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١١٠ من حديث أسماء ، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أن ابن تدريس مجهول ، ـ وله شاهد ـ أخرجه أبو يعلى ٢٥ وابن حبان ٦٥١١ والبزار ٢٢٩٤ من حديث ابن عباس. وذكره الهيثمي في «المجمع» ١١٥٢٩ وقال : قال البزار : إسناده حسن. مع أن