وقيل : لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعائشة ؛ والمعنى : إنكم تؤجرون فيه ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) يعني : من العصبة الكاذبة (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي : جزاء ما اجترح من الذّنب على قدر خوضه فيه ، (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وعكرمة ، ومجاهد وابن أبي عبلة ، والحسن ، ومحبوب عن أبي عمرو ويعقوب : «كبره» بضم الكاف. قال الكسائي : وهما لغتان. وقال ابن قتيبة : كبر الشيء : معظمه ، ومنه هذه الآية. قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة :
تنام عن كبر شأنها فإذا |
|
قامت رويدا تكاد تنغرف (١) |
وفي المتولّي لذلك قولان : (٢) أحدهما : أنه عبد الله بن أبيّ ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وعروة عن عائشة ، وبه قال مجاهد ، والسّدّيّ ، ومقاتل. قال المفسّرون : هو الذي أشاع الحديث ، فله عذاب عظيم بالنار. وقال الضّحّاك : هو الذي بدأ بذلك. والثاني : أنه حسّان.
(١٠٢٧) روى الشّعبيّ أنّ عائشة قالت : ما سمعت أحسن من شعر حسّان ، وما تمثّلت به إلّا رجوت له الجنّة ؛ فقيل : يا أمّ المؤمنين ، أليس الله يقول : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، فقالت : أليس قد ذهب بصره؟
(١٠٢٨) وروى عنها مسروق أنها قالت : وأيّ عذاب أشدّ من العمى ، ولعلّ الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ، ذهاب بصره ، تعني : حسّان بن ثابت.
ثم إنّ الله عزوجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) أي : هلّا إذ سمعتم أيّتها العصبة الكاذبة قذف عائشة (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ) من العصبة الكاذبة ، وهم حسّان ومسطح
____________________________________
(١٠٢٧) أخرجه الطبري ٢٥٨٤٣ عن الشعبي عن عائشة ، وهذا منقطع ، وانظر ما بعده.
(١٠٢٨) صحيح. أخرجه البخاري ٤١٤٦ و ٤٧٥٥ و ٤٧٥٦ ومسلم ٢٤٨٨ والطبري ٢٥٨٤٥ من طريق مسروق به.
قال مسروق ، دخلنا على عائشة رضي الله عنها وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له وقال :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
فقالت له عائشة : لكنك لست كذلك. قال مسروق : فقلت لها : لم تأذني له أن يدخل عليك وقد قال الله : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) فقالت : وأي عذاب أشد من العمى؟ قالت له : إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ومعنى : حصان : عفيفة ، رزان : ذات ثبات ووقار وعفة ، ما تزن : ما تتهم ، غرثى : جائعة.
__________________
(١) في «اللسان» : الغرف : التثني والانقصاف ، وقال يعقوب : معناه تتثنى وقيل : معناه : تنقصف من دقة خصرها.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٣٤٠ : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ). ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي ابن سلول ـ قبّحه الله ولعنه ـ وقولهم : حسان بن ثابت. وهو قول غريب ، ولو لا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك لما كان لإيراده فائدة ، فإنه من الصحابة الذين كان لهم فضائل ومناقب ومآثر ، وأحسن محاسنه أنه كان يذب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشعره ، وهو الذي قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هاجم وجبريل معك ـ ولقد وافقه الطبري ـ.
وقال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٢٧٨ : وأولى القولين في ذلك بالصواب : قول من قال : الذي تولى كبره من عصبة الإفك ، كان عبد الله بن أبي ، وذلك لأنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير الذي بدأ بذكر الإفك ، وكان يجمع أهله ويحدثهم عبد الله بن أبي ابن سلول وفعله ذلك كان توليه كبر ذلك الأمر.